الكذّابين ، ولا يكلِّف العباد ما لا يطيقون ، وما لا يعلمون ، بل يقدرهم على ما كلّفهم ، ويعلِّمهم صفة ما كلّفهم ، ويدلّهم على ذلك ويبيّن لهم ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَة وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة ) (١) وأنّه إذا كلّف المكلّف وأتى بما كلّف على الوجه الّذي كلف فإنّه يثيبه لا محالة ، وأنّه سبحانه إذا آلم وأسقم فإنّما فعله لصلاحه ومنافعه وإلاّ كان مخلاّ ً بواجب ...
٣ ـ الوعد والوعيد : والمراد منه أنّ الله وعد المطيعين بالثواب ، وتوعّد العصاة بالعقاب ، وأنّه يفعل ما وعد به وتوعّد عليه لا محالة. ولا يجوز الخلف لأنّه يستلزم الكذب. فإذا أخبر عن الفعل ثمّ تركه يكون كذباً ، ولو أخبر عن العزم ، فبما أنّه محال عليه كان معناه الإخبار عن نفس الفعل ، فيكون الخلف كذباً ، وعلى ضوء هذا الأصل حكموا بتخليد مرتكب الكبائر في النار إذا مات بلا توبة.
٤ ـ المنزلة بين المنزلتين : وتلقّب بمسألة الأسماء والأحكام ، وهي أنّ صاحب الكبيرة ليس بكافر كما عليه الخوارج ، ولا منافق كما عليه الحسن البصري ، ولا مؤمن كما عليه بعضهم ، بل فاسق لا يحكم عليه بالكفر ولا بالإيمان.
٥ ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : والمعروف كلّ فعل عرف فاعله حسنه أو دلّ عليه ، والمنكر كلّ فعل عرف فاعله قبحه أو دلّ عليه ، ولا خلاف بين المسلمين في وجوبهما ، إنّما الخلاف في أنّه هل يعلم عقلاً أو لا يعلم إلاّ سمعاً؟ ذهب أبو عليّ ( م ٣٠٣ ) إلى أنّه يعلم عقلاً وسمعاً ، وأبو هاشم ( م ٣٢١ ) إلى أنّه يعلم سمعاً ، ولوجوبه شروط تذكر في محلّها ، ومنها أن لا يؤدّي إلى مضرّة في ماله أو نفسه إلاّ أن يكون في تحمّله لتلك المذلّة إعزاز للدّين.
قال القاضي : « وعلى هذا يحمل ما كان من الحسين بن عليّ عليهماالسلام لما كان في صبره على ما صبر إعزاز لدين الله عزّوجلّ ولهذا نباهي به سائر الاُمم فنقول : لم يبق من ولد الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إلاّ سبط واحد ، فلم يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتّى
__________________
١ ـ الأنفال / ٤٢.