إنّ أمر النبيّ المؤكد والمشدّد للرماة بأن لا يخلوا أماكنهم في الجبل حيث الثغرة المذكورة يكشف عن معرفته الكاملة بقواعد القتال وقوانين الحرب ، وبما يصطلح عليه اليوم بالتكتيك العسكري.
بيد أن نبوغ القائد العسكري لا يكفي وحده لإحراز الانتصار إذا كان الجنود يعانون من عدم الانضباطية ، وعدم التقيد بأوامر القائد.
ولقد أشار القرآن الكريم إلى الترتيبات الميدانية التي قام بها رسول الله صلىاللهعليهوآله عند استقرار جنود الإسلام في أرض المعركة بأحد ، وتعيينه لمكان كل قطعة من قطعات الجيش الإسلامي إذ قال : « وإذ غدوت من أهلك تبوّئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم » (١).
لم يكن النبيّ صلىاللهعليهوآله ليغفل في المعارك والحروب عن تقوية العنصر الروحي لدى الجنود ، وما يصطلح عليه الآن بالروح المعنوية ، أو المعنويات العسكرية.
ففي هذه المرة أيضا لما اصطفّ سبعمائة مقاتل مسلم أمام ثلاثة آلاف من المقاتلين المشركين المدججين بالسلاح ، خطب رسول الله صلىاللهعليهوآله في المسلمين خطبة رفع بها من معنويات المسلمين ، وذلك بعد ان نظم صفوفهم وسوّاها.
فلقد كتب « الواقدي » المؤرخ الاسلامي الكبير في هذا الصدد ما يلي :
جعل رسول الله صلىاللهعليهوآله الرماة خمسين رجلا على « عينين » عليهم « عبد الله بن جبير » ، وجعل « احدا » خلف ظهره ، واستقبل المدينة ، ثم جعل صلىاللهعليهوآله يمشى على رجليه يسوّي تلك الصفوف ، ويبوّئ أصحابه
__________________
(١) مجمع البيان : ج ٤ ص ٤٩٥ ، الكشاف : ج ١ ، ص ٣٤٦ ـ ٣٤٧.