بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله )
فقلت : ويجوز أن لا يكون عنهما لعله عن غيرهما.
قال : ليس في الصحابة من يحتشم من ذكره بالفرار ، وما شابهه من العيب ، فيضطرّ القائل إلى الكناية إلاّ هما.
قلت له : هذا ممنوع.
فقال : دعنا من جدلك ومنعك ، ثم حلف أنه ما عنى الواقدي غيرهما ، وأنه لو كان غيرهما لذكرهما صريحا (١).
كما أنّ العلاّمة ابن أبي الحديد ذكر في شرحه لنهج البلاغة أيضا اتفاق الرواة كافة على أن عثمان لم يثبت في تلك اللحظات الحساسة يوم احد (٢).
وستقرأ في الصفحات القادمة ما قاله رسول الله صلىاللهعليهوآله عن امرأة مجاهدة متفانية في سبيل الرسالة الاسلامية تدعى « نسيبة المازنية » دافعت عن رسول الله صلىاللهعليهوآله يوم احد.
فقد لمّح رسول الله صلىاللهعليهوآله في كلامه عنها وعن موقفها العظيم يومذاك ، إلى ما يقلّل من شأن الذين فرّوا من المعركة.
نحن لا نريد هنا الاساءة إلى أيّ واحد من صحابة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، بل غاية ما نتوخّاه هو الكشف عن الحقيقة ، وإماطة اللثام عن الواقع ، فبقدر ما نستنكر ، ونقبّح فرار من فرّ ، نكبر صمود من صمد وثبات من ثبت ممن سنأتي على ذكرهم في الصفحات القادمة ، وهذا هو ما تمليه علينا روح التحليل الصادق أو تقتضيه أمانة النقل ، وما يسمى بالامانة التاريخية على الأقل.
في تلك اللحظات التي تشتت فيها جيش المسلمين ، وانفرط عقده ، وفي الوقت الذي تركزت فيه أن حملات المشركين من كل ناحية على رسول الله صلّى
__________________
(١) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج ١٥ ص ٢٣ و ٢٤.
(٢) المغازي : ج ١ ص ٢٧٨ و ٢٧٩.