ففتحت أبواب مكة في وجه المسلمين ، وخرج رءوس المشركين وأهلوهم ومن تبعهم الى رءوس الجبال ، وخلّوا مكة ، وقالوا : لا ننظر إلى محمّد ولا إلى اصحابه ، ولكنهم كانوا يراقبون المشهد من بعيد!! (١)
دخل رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو على راحلته القصواء وأصحابه متوشحو السيوف محدقون به يلبّون وهم ألفان ، فدوّى صوتهم الموحّد بالتلبية في أرجاء مكة ، وكانت نغمة هذه التلبية الكبرى من الجلال والجمال بحيث بهرت كل سكان مكة ، وسحرت قلوبهم وعطفها نحو المسلمين ، وفي نفس الوقت أرعب اتّحاد المسلمين ، ونظامهم ، والتفافهم حول النبي قلوب المشركين ، ولم يقطع رسول الله صلىاللهعليهوآله تلبيته حتى استلم الركن.
فلما انتهى رسول الله صلىاللهعليهوآله الى البيت وهو على راحلته وابن رواحة آخذ بزمامها وقد صف له المسلمون حين دنا من الركن حتى انتهى إليه ، استلم الركن بمحجنه مضطبعا بثوبه على راحلته انشد عبد الله بن رواحة يقول :
خلّوا بني الكفّار عن سبيله |
|
إني شهدت أنه رسوله |
حقا وكل الخير في سبيله |
|
نحن قتلناكم على تأويله |
كما ضربناكم على تنزيله |
|
ضربا يزيل الهام عن مقيله |
ويذهل الخليل عن خليله (٢) |
وطاف رسول الله صلىاللهعليهوآله بالبيت المعظم على راحلته ، وهنا أمر
__________________
(١) امتاع الاسماع : ج ١ ص ٣٣٧ و ٣٣٨.
(٢) زاد المعاد : ج ٢ ص ١٥٢.