كان مسيلمة من الأشخاص الذين وفدوا على رسول الله صلىاللهعليهوآله في المدينة في السنة العاشرة من الهجرة وأسلم في من اسلم ، ولكنه بعد أن عاد إلى موطنه ادّعى النبوة ، وأجابه طائفة من السذّج والبسطاء ، وربما من المتعصبين من قومه. ولم يكن نجاح دعوته الباطلة في « اليمامة » دليلا على شخصيته الواقعية ، بل التفّ حوله فريق ممن تبعه تعصبا وحمية مع أنهم علموا بكذبه ، وزيف دعوته إذ كانوا يقولون : « كذّاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر » وقد قال هذه العبارة أحد اتباعه لما سأل مسيلمة ذات مرة : من يأتيك؟ قال : رحمان ، قال : أفي نور أو في ظلمة؟ فقال : في ظلمة ، فقال أشهد أنّك كذاب وأن محمّدا صادق ولكن كذّاب ربيعة احبّ إلينا من صادق مضر (١).
إن من المسلّم أنّ الرجل قد ادعى النبوّة ، وتبعه على ذلك فريق من قومه ، ولكنه لم يثبت قط أنه تصدّى لمعارضة القرآن ، وما اثر عنه ـ في النصوص التاريخية ـ من عبارات وجمل في معارضة القرآن لا يمكن أن تكون من كلام رجل فصيح كمسيلمة لأن عباراته العادية واحاديثه الأخرى في غاية البلاغة والإتقان ، فكيف تصدر منه هذه العبارات الضعيفة.
ولهذا يمكن القول بأن ما نقل عنه ـ على غرار ما نقل عن معاصره « الاسود بن كعب العنسي » الذي ادعى النبوة معه في اليمن ـ إنما هي امور نسبت إليه ، والصقت به الصاقا لاسباب خاصّة لان عظمة القرآن وبلاغته الفائقة في حدّ لا يجرأ معها أحد على التفكير في معارضة القرآن ومقابلته ، ويعلم كل عربيّ بحكم فطرته الالهية أنّ هذا الاسلوب الجذّاب وأنّ عظمة المعاني القرآنية وسمّوها تجعل القرآن الكريم فوق حدود الطاقة البشرية ، فكيف يحاول أحد معارضته ومقابلته.
__________________
(١) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ٥٠٨ ويقصد بالاول مسيلمة وبالثاني رسول الله صلىاللهعليهوآله .