ثم طلب المقوقس من حاطب أن يكتم أمر هذا الحوار الذي دار بينه وبين حاطب عن قومه قائلا : وأنا لا أذكر للقبط من هذا حرفا واحدا ، ولا أحب أن يعلم بمحادثتي ( أو بمحاورتي ) إياك (١).
ثم إنه اكرم حاطبا مدة اقامته بمصر إكراما بالغا ، وأحسن قراه ، وضيافته (٢).
ثم إنّ حاكم « مصر » المقوقس دعا كاتبه العربيّ ، وأمره أن يكتب كتابا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله هذا نصه :
بسم الله الرحمن الرحيم. لمحمّد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط ، سلام عليك ، أما بعد فقد قرأت كتابك ، وفهمت ما ذكرت فيه ، وما تدعو إليه ، وقد علمت أن نبيا قد بقي ، وقد كنت أظن أنه يخرج بالشام وقد أكرمت رسولك ، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم ، وبثياب ، وأهديت إليك بغلة لتركبها والسلام عليك (٣).
إن الاحترام الذي أبداه « المقوقس » في رسالته المذكورة ، وتقديم اسم النبيّ صلىاللهعليهوآله على اسمه وكذا هداياه التي بعثها إلى رسول الاسلام صلىاللهعليهوآله وتكريم سفير النبي صلىاللهعليهوآله كلها تحكي عن أنّ المقوقس قبل دعوة النبي صلىاللهعليهوآله في سرّه ولكن حبّه في البقاء في السلطة منعه من التظاهر بايمانه وإسلامه ، ومن الانقياد العمليّ والعلني للاسلام.
خرج « حاطب » بصحبة جماعة من الحرس المحافظين وهو يحمل الهدايا التي بعثها المقوقس من عند المقوقس ولما وصل الى الشام أذن للمحافظين بالانصراف ثم واصل هو سفره ضمن قافلة إلى المدينة ، ولما قدم المدينة على رسول الله صلّى
__________________
(١) سيرة زيني دحلان : ج ٣ ص ٧١.
(٢) الطبقات الكبرى : ج ١ ص ٢٦٠.
(٣) الطبقات الكبرى : ج ١ ص ٢٦٠.