وباجلاء « بني قينقاع » عادت الوحدة السياسية الى المجتمع في المدينة.
وكانت الوحدة السياسية هذه المرة مقرونة بالوحدة الدينية إذ كان المسلمون يشكلون الاغلبية الساحقة في المدينة فلم يكن لغيرهم فيها شأن يذكر (١).
من المعلوم أن الاخبار تنتشر بين الناس بسرعة في المناطق الصغيرة ، على العادة.
من هنا فان انباء أكثر المؤامرات والتحركات المعادية للاسلام التي كانت تقع في المناطق المختلفة من شبه الجزيرة كانت تصل بسرعة ـ وعبر المسافرين المحايدين أو الاصدقاء المترصدين ـ الى مركز القيادة الاسلامية في المدينة.
هذا مضافا الى أن هذا النوع من المعلومات كان يحظى لدى رسول الاسلام باهمية كبرى ، فيرصد لها من يأتي بها أولا بأول ، ولهذا كانت اكثر التحركات والمؤامرات يقضى عليها في مهدها بفضل الردّ السريع والمناسب الذي كانت القيادة الاسلامية تقوم به في ضوء المعلومات الواردة إليها ، أو التي حصلت عليها.
فبمجرّد أن تتضمن هذه المعلومات ، إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله خبرا مفاده أن إحدى القبائل تعد قوة ، وتستعدّ للهجوم على المدينة كان صلىاللهعليهوآله يبادر الى بعث سرية أو يقود هو بنفسه مجموعة مناسبة لمحاصرة تلك القبيلة ، وافشال مؤامرتها ، وابطال تدبيرها قبل أن تستطيع فعل شيء ، وكان هذا هو اسلوب المباغتة الذي استطاع به رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يقضي على كثير من التحركات المعادية في مهدها.
وإليك مختصرا عن بعض تلك الغزوات التي وقعت في السنة الثانية من الهجرة :
__________________
(١) المغازي : ج ١ ص ١٧٧ ، الطبقات الكبرى : ج ٢ ص ٢٨ و ٢٩.