والشعوب ، والتفكّر في مصائرهم وما آلوا عليه بسبب عتوّهم وعنادهم ، وتمرّدهم على الحق ، فان ضلال الموت التي كانت تخيّم على تلك الربوع ، والأطلال الصامتة خير عبرة للاجيال والاقوام الاخرى.
ثم نهى رسول الله صلىاللهعليهوآله الناس عن أن يشربوا من مائها شيئا ، وأن لا يتوضئوا به للصلاة ، وأن لا يحاس به حيس ، ولا يطبخ به طعام ، وأن العجين الذي عجن به ، أو الحيس الذي فعل به يعلف الإبل ، وأن الطبيخ الذي طبخ به يلقى ، ولا يأكلوا منه شيئا (١).
ففعل الناس ما أمرهم به رسول الله صلىاللهعليهوآله ثم ان الناس ارتحلوا من تلك المنطقة حتى إذا مضى من الليل بعضه وصلوا إلى البئر التي كان يشرب منها ناقة صالح النبي عليهالسلام ، فنزلوا عليها بأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله .
ثم إن رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يعرف بالرياح الشديدة والسامّة والعواصف القوية التي كانت تهبّ في تلك الأرض بين الحين والآخر ، وتبلغ من الشدة والقوة بحيث ربما تحتمل البعير بصاحبه ، وتلقيه في واد آخر.
ولهذا أصدر صلىاللهعليهوآله إلى أصحابه تعليمات احتياطية مشدّدة فأمرهم بأن يعقلوا آبالهم ولا يخرج أحد منهم في تلك الليلة وحده ، بل يخرج من خبائه مع صاحبه.
وقد اثبتت التجارب والاحداث فيما بعد أن التعليمات الاحتياطية النبوية المذكورة كانت مفيدة جدا ، لأن شخصين من بني ساعدة من الّذين كانوا في ركب رسول الله صلىاللهعليهوآله تجاهلا هذه التعليمات فخرجا منفردين من
__________________
(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٥٢١ و ٥٢٢ ، السيرة الحلبية : ج ٣ ص ١٣٤ و ١٣٥.