الوادي فاستراحوا ليلتهم عند فم الوادي ، ومع غلس الصبح انحدرت كتيبة « بني سليم » بقيادة « خالد بن الوليد » في وادى « حنين » ، وبينما دخل اكثر جنود الاسلام ذلك الوادي حمل عليهم رجال هوازن من كمائنهم في مضيق الوادي وشعابه حملة رجل واحد ، وأخذوا يرشقونهم بالاحجار والنبال ، فالقت أصوات الاحجار والنبال فزعا شديدا في قلوب المسلمين الذين مطروا بالسهام والنبال والاحجار من جانب ، بينما احتوشهم فريق آخر من هوازن بسيوفهم ووقعوا فيهم ضربا وقتلا.
أجل لقد فعلت مكيدة هوازن فعلتها في قلوب المسلمين ، فقد أوحشتها ، وأصابت المسلمين بالفوضى ، وخلخلت صفوفهم فلاذوا بالفرار من دون اختيار ، وقد أخلّوا هم بنظامهم أكثر من ما فعله العدوّ بهم.
ففرح المنافقون في جيش رسول الله صلىاللهعليهوآله لهذا الحادث ، وسروا به سرورا عظيما حتى قال أبو سفيان شامتا : لا ينتهي هزيمتهم دون البحر ، وقال آخر : الا بطل السحر اليوم ، وقال ثالث : لا يجتبرها محمّد وأصحابه ، وعزم رابع على اغتيال رسول الله صلىاللهعليهوآله في ذلك الوضع المضطرب وإطفاء شعلة رسالته المقدسة (١).
لقد ازعج فرار المسلمين الذي كان نابعا ـ في الدرجة الاولى من الفزع والفوضى التي أصابتهم ، رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأدرك صلىاللهعليهوآله بأنه لو تأخّر لحظة واحدة عن فعل ما يجب أن يفعله لتغيّر وجه التاريخ ولتبدّل مسار البشرية ، ولحطّم جيش الشرك جيش التوحيد.
__________________
(١) المغازي : ج ٣ ص ٩٠٩ ـ ٩١٠ ، السيرة النبوية : ج ٢ ص ٤٤٣ ، امتاع الاسماع : ج ١ ص ٤١١ و ٤١٢.