قال : لا والله ما أحبّ أنّي رجعت عن الاسلام وأنّ لي ما في الأرض جميعا.
فقالوا : أمّا واللات والعزّى لئن لم تفعل لنقتلنّك!
فقال : إن قتلي في الله لقليل ، فلمّا أبى عليهم وقد جعلوا وجهه من حيث جاء ( أي نحو المدينة ) ، قال : أما صرفكم وجهي عن القبلة ، فان الله يقول : « فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ » ثم قال : اللهم إني لا أرى إلاّ وجه عدوّ ، اللهم أنه ليس هاهنا أحد يبلّغ رسولك السلام عنّي فبلّغه أنت عنّي السلام.
ثم دعا على القوم وقال : اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ، ولا تغادر منهم أحدا.
ثم دعوا أبناء من أبناء من قتل ببدر فوجدوهم أربعين غلاما ، فأعطوا كل غلام رمحا ، ثمّ قالوا هذا الّذي قتل آباءكم ، فطعنوه برماحهم طعنا خفيفا فاضطرب على الخشبة فانقلب ، فصار وجهه الى الكعبة ، فقال : الحمد لله الّذي جعل وجهي نحو قبلته التي رضي لنفسه ولنبيه وللمؤمنين!!
فأثارت روحانيته الكبرى ، وطمأنينته العظيمة غيض أحد المشركين الحاضرين ، وهو « عقبه بن الحارث » وتملكه غضب شديد من إخلاصه للاسلام فأخذ حربته وطعن بها خبيبا طعنة قاضية ، قتلته ، وهو يوحّد الله ويشهد أن محمّدا رسول الله.
ويروي ابن هشام أن خبيبا أنشد قبل مقتله أبياتا عظيمة نذكر هنا بعضها :
إلى الله أشكو غربتي ثمّ كربتي |
|
وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي |
فذا العرش صبّرني على ما يراد بي |
|
فقد بضّعوا لحمي وقد ياس مطمعي |
وذلك في ذات الاله وأن يشأ |
|
يبارك على أوصال شلو ممزّع |
وقد خيّروني الكفر والموت دونه |
|
وقد هملت عيناي من غير مجزع |
وما بي حذار الموت أني لميّت |
|
ولكن حذاري جحم نار ملفّع |
فو الله ما أرجو إذا متّ مسلما |
|
على أي جنب كان في الله مصرعي |
فلست بمبد للعدوّ تخشعا |
|
ولا جزعا إنّي إلى الله مرجعي |