الذبائح ، وهو في الاسر والحبس.
ثم إنه اخرج إلى « التنعيم » (١) ليصلب على مرأى حشد كبير من الناس.
فرفعوا له جذعا ، فقال : دعوني أصلّي ركعتين ، فصلّى ركعتين ، ثم حملوه على الخشبة ثم جعلوا يقولون له : يا زيد ارجع عن دينك المحدث ، واتّبع ديننا ، ونرسلك فيقول : والله لا افارق ديني أبدا.
فقال له أبو سفيان فرعون مكة وأشدّ المتآمرين على الاسلام ومدبر أغلب الحروب ضد رسول الله ، والمسلمين : أنشدك بالله يا زيد أيسرّك أن محمّدا في أيدينا مكانك وأنت في بيتك؟. فقال زيد بشجاعة ووفاء عظيمين : ما يسرّني أنّ محمّدا اشيك بشوكة واني في بيتي ، وجالس في أهلي!!!
وقد كان لهذه الكلمة أثر الصاعقة في نفس طاغية مكة أبي سفيان فقال : ما رأينا أصحاب رجل قطّ أشدّ حبّا من أصحاب محمّد بمحمّد!!
ولم تمض لحظات إلاّ وصار « زيد » على خشبة الاعدام وطارت روحه الى خالقها ، ومضى ذلك المسلم الوفيّ ، والمؤمن الشجاع شهيد الثبات في طريق العقيدة ، والدفاع عن حياض الدين (٢).
واما « خبيب » فقد حبس مدة من الزمان حتى قرّر ندوة مكة قتله ، فخرجوا به الى التنعيم ليصلبوه وخرج معه النساء والصبيان والعبيد وجماعة من أهل مكة ، فقال لهم : إن رأيتم ان تدعوني حتى أركع ركعتين فافعلوا ، فقالوا دونك فاركع.
فركع ركعتين أتمّهما وأحسنهما ثم اقبل على القوم وقال : أما والله لو لا أن تظنّوا أنّي إنما طوّلت جزعا من القتل لاستكثرت من الصلاة!!
ثم رفعوه على خشبة ثم وجّهوه الى المدينة ، وأوثقوه رباطا ، ثم قالوا له : ارجع عن الاسلام ، نخلّ سبيلك.
__________________
(١) التنعيم ابتداء الحرم ومنها يحرم المعتمرون للعمرة المفردة.
(٢) السيرة النبوية : ج ٢ ص ١٧٢ ، المغازي : ج ٢ ص ٣٦٢ ، امتاع الاسماع : ج ١ ص ١٧٤ و ١٧٥.