وقال له : هذا حليفك ( عتبة ) يريد أن يرجع بالناس وقد رأيت ثأرك بعينك ، فقم وانشد خفرتك (١) ومقتل ( أو دم ) أخيك.
فقام عامر وكشف عن رأسه ، وأخذ يحثو التراب على رأسه ، وصاح مستغيثا وا عمراه وا عمراه ، تحريكا للناس وإثارة لمشاعرهم.
فهاج الناس لمنظر عامر وثارت مشاعرتهم لندبته ، وأجمعوا على الحرب ، وتناسوا اقتراح عتبة ، ونصيحته البليغة الحكيمة لهم.
ولكن عتبة هذا الذي كان يميل الى اعتزال الجيش وترك الحرب ، هاجت مشاعره هو الآخر فقام من فوره ولبس لامة حربه واستعد لقتال رسول الله صلىاللهعليهوآله وأصحابه (٢).
وهكذا نجد كيف يتضاءل نور العقل عند هبوب رياح العاطفة الملتهبة ، والمشاعر الثائرة الباطلة وتنطفئ شعلة الفكر ، ولا يعود يضيء لصاحبه درب المستقبل حتى أن الرجل الذي كان قبل قليل داعية السلام ، والتعايش الاخوي يتحول تحت تأثير ذلك الهياج العاطفي ، العابر ، الاحمق إلى أول مبادر الى القتال وسفك الدماء وازهاق الارواح!!!
لما أبصر الاسود بن عبد الأسد المخزومي وكان رجلا شرسا سيئ الخلق ـ الحوض الذي بناه المسلمون عند البئر لشربهم قال : اعاهد الله لاشربن من حوضهم أو لا هدمنّه أو لأموتنّ دونه!!
ثم خرج من بين صفوف المشركين وشد حتى دنا من الحوض فاستقبله حمزة ، ولما التقيا ضربه بسيفه حمزة فاطار قدمه ، وهو دون الحوض فوقع على الأرض تشخب رجله دما ثم حبا الى الحوض حتى اقتحم فيه يريد ان يشرب منه أو ان
__________________
(١) اي اطلب من قريش الوفاء بخفرتهم وعهدهم لك لأنه كان حليفا لهم.
(٢) السيرة النبوية : ج ١ ص ٦٢٣ ، بحار الأنوار : ج ١٩ ص ٢٢٤.