وقد قصد النبي عرفات أيضا في اليوم الثامن من شهر ذي الحجة ( الذي يدّعى يوم التروية أيضا ) من طريق منى ، وتوقّف في « منى » إلى طلوع الشمس من اليوم التاسع ثم ركب بعيره ، وتوجه نحو عرفات ، ونزل في خيمة كانت قد ضربت له في مكان يدعى « نمره ».
وقد ألقى في ذلك الاجتماع الهائل خطابا تاريخيا هاما وهو على ناقته.
... في ذلك اليوم الذي كانت عرفات تشهد فيه اجتماعا عظيما وحشدا بشريا هائلا ، لم يشهد مثله شعب الحجاز من قبل حتى ذلك اليوم ، كان نداء التوحيد وشعار الاسلام يدوّي في ربوع تلك المنطقة التي كانت فيما مضى من الزمان موطن المشركين ومسكن الوثنيين ولكنها قد تحولت الآن إلى قاعدة الموحّدين ، وملتقى عباد الله المؤمنين.
في هذه المنطقة بالذات ( أي أرض عرفات ) نزل رسول الله صلىاللهعليهوآله وصلّى الظهر والعصر وهو يؤم مائة الف ، ثم خطب فيهم خطابه التاريخيّ وهو راكب على راحلته ، وكان أحد اصحابه ـ وكان رفيع الصوت قويه ـ يكرر كلماته صلىاللهعليهوآله ليسمعه آخر من في ذلك الحشد.
لقد بدأ رسول الله صلىاللهعليهوآله ذلك الخطاب هكذا :
« أيّها الناس اسمعوا قولي واعقلوه فاني لا أدري لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا.
أيّها الناس إنّ دماءكم واموالكم (١) عليكم حرام إلى أن تلقوا ربّكم ».
وتأكيدا لحرمة أموال المسلمين ودمائهم قال صلىاللهعليهوآله لربيعة بن أميّة :
__________________
(١) في الخصال : ج ٢ ص ٤٨٧ أيضا : وأعراضكم.