جماعة من الأنصار في بيوتهم وفاء لجميلهم وتقديرا لخدماتهم حين قدموا عليهم المدينة بعد الهجرة ، فأسكنوهم واكرموهم في منازلهم وخدموهم سنينا عديدة.
تركت أحوال المسلمين وأوضاع الاسلام وجلال الموكب النبوي وعظمته أثرا بليغا وعجيبا في نفوس سكان مكة المشركين ، فقد تعرفوا على نفسية المسلمين النبيلة الطيبة في هذه الزيارة اكثر من أي وقت مضى وكاد ذلك أن « يفعل » فعلته ، ويحدث انقلابا روحيا في تلك البيئة.
ولما رأى زعماء المشركين أن توقف النبي وأصحابه في مكة سيؤثر في عقائد أهل مكة ويضعف تمسكهم بوثنيتهم ، ويوجد علاقات المحبة بينهم وبين المسلمين ، لهذا بعثوا أحدهم وهو حويطب الى رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ بعد انقضاء المدّة المقرّرة للاقامة في مكة في المعاهدة ـ ليطلب منه مغادرة مكة قائلا : انه قد انقضى اجلك فاخرج عنا.
فانزعج بعض أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله من مقالة مبعوث قريش هذا ، ولكن النبي لم يكن بالذي يخالف ما تعهّد به ، ولهذا أمر بأن ينادى في المسلمين بالرحيل فترك هو والمسلمون مكة فورا.
ولقد تأثرت « ميمونة » اخت أمّ الفضل زوجة العباس ، بما شهدت من مشاعر المسلمين وروحانيتهم فأرسلت إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله عن طريق عمّها العباس أنها ترغب في الزواج برسول الله صلىاللهعليهوآله ، فوافق رسول الله صلىاللهعليهوآله (١) وتزوجها ، وبهذا قوّى علاقاته مع قريش.
ان رغبة فتاة في الزواج بمن يكبرها بسنين عديدة لدليل واضح على مدى التأثير الروحي والمعنوي الذي تركه النبي والمسلمون في النفوس حتى أن النبي
__________________
(١) حياة محمد : ص ٤٠١.