صلىاللهعليهوآله لما طلب من مبعوث قريش بأن يمهلوه بعض الوقت ليعرس بين أظهرهم ، ويصنع لهم طعاما يحضروه ، أبوا امهاله خوفا من تعاظم تأثيره في النفوس ، وقالوا له : لا حاجة لنا في طعامك فاخرج عنا (١).
فأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يخرج المسلمون من مكة في منتصف النهار ولم يبق بمكة إلى وقت الظهر ، وخلّف ابا رافع ليحمل إليه زوجته « ميمونة » حين يمسي ، فأقام أبو رافع حتى أمسى ، فخرج بميمونة ومن معها فلقوا عناء من سفهاء المشركين ، ولاموا « ميمونة » على فعلها ، ولكن كلامهم لم يؤثر قط في نفسها ، فقد رغبت في الزواج برسول الله صلىاللهعليهوآله بدافع الرغبة في خلقه وسموّ أخلاقه.
وهكذا تحققت رؤيا رسول الله صلىاللهعليهوآله الصادقة التي رآها قبل سنة واحدة بأنه دخل البيت ، وحلق راسه ، ونزلت بعد هذه الوقائع الآية ٢٧ من سورة الفتح تتحدث عن تحقق هذا الوعد حيث أخبرت ضمنا عن فتح قريب ، ـ هو فتح مكة ـ الذي تحقق في السنة الثامنة من الهجرة اذ يقول سبحانه :
« لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً » (٢).
__________________
(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٣٧٢ ، تاريخ الخميس : ج ٢ ص ٦٢ ـ ٦٥.
(٢) الفتح : ٢٧.