ليلة مقمرة فرسانا متلثمين لحقوا به من ورائه لينفّروا به ناقته ، وهم يتخافتون ، فغضب رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وصاح بهم وأمر حذيفة أن يضرب وجوه رواحلهم. قائلا : اضرب وجوه رواحلهم.
فأرعبهم رسول الله صلىاللهعليهوآله بصياحه بهم إرعابا شديدا ، وعرفوا بان رسول الله صلىاللهعليهوآله علم بمكرهم ومؤامرتهم ، فاسرعوا تاركين العقبة حتى خالطوا الناس.
يقول حذيفة : فعرفتهم برواحلهم وذكرتهم لرسول الله صلىاللهعليهوآله وقلت : يا رسول الله ألا تبعث إليهم لتقتلهم؟ فاجابه رسول الله صلىاللهعليهوآله في لحن ملؤه الحنان والعاطفة :
« إن الله أمرني أن اعرض عنهم ، واكره أن يقول الناس أنّه دعا اناسا من قومه وأصحابه إلى دينه فاستجابوا له فقاتل بهم حتى ظهر على عدوّه ثمّ أقبل عليهم فقتلهم ولكن دعهم يا حذيفة فانّ الله لهم بالمرصاد » (١).
وقد أنزل الله سبحانه إثر هذه الحادثة الآية ٦٥ من سورة التوبة التي قال تعالى فيها : « ولئن سألتهم ليقولنّ إنّما كنّا نخوض ونلعب » (٢).
ليس ثمة مشهد أعظم جلالا من مشهد جيش فاتح يعود إلى أحضان الوطن ، كما ليس هناك أمر ألذّ وأهنأ عند الجندي المجاهد من الغلبة على العدوّ ، التي تحفظ أمجاده ، وتضمن بقاء كيانه ، وسلامته ، وقد تجلّى هذان الأمران عند عودة الجيش الاسلامي المنتصر إلى المدينة.
لقد دخل الجيش الاسلامي الفاتح المدينة بجلال عظيم بعد أن طوى المسافة
__________________
(١) المغازي : ج ٣ ص ١٠٤٢ ـ ١٠٤٥ ، مجمع البيان : ج ٣ ص ٤٦ بحار الأنوار : ج ٢١ ص ٢٤٧ ، الدرجات الرفيعة : ص ٢٩٨ و ٢٩٩ وامتاع الاسماع : ج ١ ص ٤٧٧.
(٢) راجع مجمع البيان : ج ٣ ص ٤٦.