الجامعات الى جانب الجوامع ويشيّدون المعاهد الى جانب المساجد ليثبتوا للعالم أن هذين الأمرين اللذين يكفلان إسعاد الحياة والانسان لا يمكن أن ينفصلا ، ويبتعد بعضها عن بعض.
لقد ابتاع رسول الله صلىاللهعليهوآله الارض التي بركت فيها ناقته يوم قدومه المدينة ، من أصحابها بعشرة دنانير لإقامة مسجد فيها. واشترك كافة المسلمين في تهيئة موادّه الانشائية وبناه ، وعمل رسول الله صلىاللهعليهوآله نفسه في تشييدها أيضا. فكان صلىاللهعليهوآله ينقل معهم اللبن ، والحجارة ، وبينما هو صلىاللهعليهوآله ذات مرة ينقل حجرا على بطنه استقبله « اسيد بن حضير » فقال : يا رسول الله اعطني أحمله عنك.
قال صلىاللهعليهوآله : لا ، اذهب فاحمل غيره (١).
وبهذا الاسلوب العملي كشف رسول الاسلام العظيم عن جانب من برنامجه الرفيع ، إذ بيّن بعمله أنه رجل عمل وليس رجل قول ، رجل فعل وليس رجل كلام ، وكان لهذا أثره الفعّال في نفوس أتباعه.
فقد أنشد أحد المسلمين بهذه المناسبة يقول :
لئن قعدنا والنبيّ يعمل |
|
فذاك منّا العمل المضلّل (٢) |
وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يردّد وهو يبني ويعمل : لا عيش إلاّ عيش الآخرة ، اللهمّ ارحم الأنصار والمهاجرة.
وقد كان « عثمان بن عفان » ممن يهتمّ بنظافة ثيابه ، ويحرص على أن يمنع عنها الغبار والتراب ، فلم يعمل في بناء المسجد لهذا السبب ، فاخذ عمار ينشد أبياتا تعلّمها من أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام ، وفيها تعريض بمن لا يعمل ويحرص على ثيابه أن لا تتسخ بالغبار :
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ١٩ ص ١١٢.
(٢) السيرة النبوية : ج ١ ص ٤٩٦.