عمرو » ، فساروا حتى نزلوا ببئر معونة وهي بين أرض بني عامر وحرّة بني سليم وهم يحملون من رسول الله صلىاللهعليهوآله كتابا إلى عامر بن الطفيل أحد زعماء « نجد » ، وكلّف أحد المسلمين بايصال ذلك الكتاب إلى عامر ، فلما أتاه الكتاب لم ينظر فيه حتى عدا على الرجل ( حامل الكتاب ) فقتله ، ثم استصرخ بني عامر على المبلّغين ، فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم إليه ، وقالوا : لن ننقض عهد أبي براء ، وقد عقد لهم عقدا وجوارا.
فاستصرخ عليهم قبائل بني سليم فأجابوه إلى ذلك فخرجوا حتى نزلوا حيث نزل جماعة الدعاة ، فأحاطوا بهم في رحالهم ، فلما رأوهم أخذوا سيوفهم ، ثم قاتلوهم حتى قتلوا عن آخرهم بعد أن أبدوا مقاومة كبرى ، وبسالة عظيمة ، ولم يكن يتوقع منهم غير ذلك.
فانّ مبعوثي النبيّ صلىاللهعليهوآله لم يكونوا مجرد رجال فكر وعلم فقط ، بل كانوا رجال حروب ، وأبطال معارك ، ولذا رفضوا الاستسلام للمعتدين ، واعتبروا ذلك عارا لا يليق بالمسلم الحرّ الأبيّ ، فقاتلوهم حتى استشهدوا جميعا ، إلاّ كعب بن زيد ، فانه جرح فعاد بجراحه الى المدينة ، وأخبر رسول الله صلىاللهعليهوآله بما جرى لأصحابه على أيدي قبائل بني سليم المشركة الغدرة.
فحزن رسول الله والمسلمون جميعا لهاتين الحادثتين ، المفجعتين اشد الحزن بل ولم يجد على قتلى مثل ما وجد عليهم ، وبقي رسول الله يذكر شهداء بئر معونة ردحا من الزمان (١)
هذا ولقد كانت هاتان الحادثتان المؤسفتان المؤلمتان جميعا من نتائج النكسة التي أصابت المسلمين في « احد » والتي جرّأت القبائل خارج المدينة على قتل رجال المسلمين ودعاتهم غدرا ومكرا.
إن المستشرقين الذين دأبوا على نقد أبسط سوء يتعرض له مشرك على أيدي
__________________
(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ١٨٣ ـ ١٨٧ امتاع الاسماع : ج ١ ص ١٧٠ ـ ١٧٣.