وربّما قالوا : لا يصحّ هذا ، كيف تقطر رءوسنا من الغسل (١) ونحن زوّار بيت الله؟
فالتفت النبي صلىاللهعليهوآله الى عمر وكان ممن بقى على احرامه وقال له : ما لي أراك يا عمر محرما؟ أسقت هديا؟
قال عمر : لم أسق.
فقال النبي : فلم لا تحلّ وقد أمرت من لم يسق بالإحلال؟
قال عمر : والله يا رسول الله لا أحللت وأنت محرم.
فغضب النبي لموقف الناس المتلكي هذا وقال :
« لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما أمرتكم ».
وهو صلىاللهعليهوآله يعني : أنني لو كنت أعلم بالمستقبل ولو عرفت بموقف الناس المتردّد وخلافهم هذا من قبل لما سقت الهدي ، ولفعلت ما فعلتموه من عدم سوق الهدي ، ولكن ما ذا عساي أن أفعل الآن وقد سقت الهدي ، ولا يمكنني الإحلال من الإحرام ، فيجب عليّ أن أبقى على إحرامي « حتى يبلغ الهدي محلّه » أي أنحر هديي بمنى كما أمر الله سبحانه ، وأما أنتم فمن لم يسق الهدي منكم فانّ عليه أن يحلّ إحرامه ، واحسبوها عمرة ، ثم أحرموا للحج مرة اخرى (٢).
لما علم علي عليهالسلام بتوجه رسول الله صلىاللهعليهوآله الى مكة
__________________
(١) هذه العبارة كناية عن مقاربة الازواج وغسل الجناية لان مقاربتهن هي أحد محرمات الحرام وترتفع هذه الحرمة بالتقصير وهو أخذ شيء من شعر الرأس أو اللحية أو تقليم الظفر.
(٢) بحار الأنوار : ج ٢١ ص ٣١٩ ، وهذه القصة توقفنا على تعنّت فريق من الصحابة وتمرّدهم على تعليمات النبي وأوامره الاكيدة وهم يعلمون أنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى وثمة شواهد وموارد اخرى كثيرة على الموضوع ، وقد جمعها المغفور له العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي في كتاب اسماه « النص والاجتهاد ».