غير ذلك أسرعوا إلى بلادهم وخلّوا بيننا وبين محمّد. في بلدنا (١).
وهكذا انسحبت بنو قريظة من الأحزاب وأوقع الله التخاذل بينهم ، وتفرّقوا ، وتمزق شملهم ، وكان ذلك من عوامل فشل الاحزاب ، وتقهقرهم ورجوعهم خائبين.
لقد انضمت العوامل المذكورة إلى عامل آخر يمكن تسميته ـ في الحقيقة ـ بالامداد الغيبيّ ففرقت جماعة الاحزاب ، وشتّتّ جماعتهم وذلك العامل هو أن الله تعالى بعث عليهم فجأة الريح والعاصفة ، واشتدّ البرد ، وكان اشتداد الريح كبيرا بحيث أكفأ قدورهم ، واقتلع خيامهم ومضاربهم ، وأطفأ أضواءهم ، وأوجد حريقا في الصحراء.
وهنا أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله حذيفة أن يعبر الخندق ، ويأتيه بخبر عن أحوال المشركين ومن مالأهم من الاحزاب.
يقول حذيفة : فذهبت فدخلت في القوم والريح وجنود الله تفعل ما تفعل بهم لا تقرّ لهم قدرا ، ولا نارا ولا بناء ، فسمعت أبا سفيان يقول ، وقد قام في جماعة من قريش : يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام ، لقد هلك الكراع والخفّ ، وأخلفتنا بنو قريظة ولقينا من شدّة الريح ما ترون ما تطمئنّ لنا قدر ، ولا تقوم لنا نار ، ولا يستمسك لنا بناء ، فارتحلوا إني مرتحل.
ثم قام إلى جمله ـ وهو معقول ـ فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث ، فو الله ما أطلق مقاله إلاّ وهو قائم من شدّة الدهش والخوف!!
ولم يسفر الصبح إلاّ وأسرعت قريش وغطفان عائدين إلى بلادهم يجرّون أذيال الخيبة ، ولم يبق منهم أحد هناك.
__________________
(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٣٣٩ ـ ٢٣١ ، تاريخ الطبري : ج ٢ ص ٢٤٢ و ٢٤٣.