النوع من الاجتهاد في مقابلة الآيات والروايات الصريحة هو الذي سبّب في أن يعمد فريق من المجرمين والجناة إلى تبرير جرائمهم وفضائعهم بحجة « الاجتهاد » ، وتحت غطائه.
وإليك نموذجا من هذا الأمر :
لا يجد المرء عبارة أفضل من هذه تعرّف حقيقة مؤرخ القرن الثامن الهجري ( ابن كثير الشامي مؤلف البداية والنهاية ).
فقد انبرى هذا الرجل الى الدفاع عن معاوية في كتابه اذ قال : لا يلزم من تسمية أصحاب معاوية بغاة تكفيرهم ، لأنهم وان كانوا بغاة في نفس الأمر فانهم كانوا مجتهدين فيما تعاطوه من القتال وليس كل مجتهد مصيبا ، بل المصيب له أجران ، والمخطئ له أجر واحد ( ثم يقول ) وأما قوله : يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار فان عمّارا وأصحابه يدعون أهل الشام إلى الالفة واجتماع الكلمة ، وأهل الشام يريدون ان يستأثروا بالأمر دون من هو أحق به ، وان يكون الناس أوزاعا على كل قطر امام برأسه ، وهذا يؤدي إلى افتراق الكلمة واختلاف الأمة فهو لازم مذهبهم وناشئ عن مسلكهم وان كانوا لا يقصدونه!! (١)
ونحن لم نجد اسما يناسب هذا العمل إلاّ التحريف للحقائق.
فان مؤيدي الفئة الباغية مع كل ما اوتوا من قدرة على إخفاء الحقائق وطمسها لم يستطيعوا إنكار هذه الحقيقة ، ولكن مؤرخا مثل ابن كثير عمد ـ رغم ورود هذا الحكم الغيبي في شأن تلك الفئة ـ الى تحريف بارد قد غفلت تلك الفئة هي ذاتها عنه!!
يقول أحمد بن حنبل : دخل رجلان على معاوية يختصمان في رأس عمّار يقول
__________________
(١) البداية والنهاية : ج ٢ ص ٢١٨.