خبائهما ليلا ، فاختنق أحدهما لشدة الرياح ، بينما احتملت الريح الرجل الآخر ، وضربت به الجبل ، ولما علم رسول الله صلىاللهعليهوآله بذلك انزعج بشدّة وقال :
« ألم أنهكم أن يخرج منكم أحد إلاّ ومعه صاحبه » (١).
هذا وقد استعمل رسول الله صلىاللهعليهوآله على حرس العسكر « عباد بن بشر » فكان يطوف في أصحابه على العسكر.
ثم اصبح الناس ولا ماء معهم ، وحصل لهم بسبب العطش ما كاد يقطع رقابهم ، حتى حمل ذلك بعضهم على نحر إبلهم ليشقوا اكراشها ، ويشربوا ماءها ، بينما صبر آخرون ، وانتظروا حصول الماء على ظمأ شديد ، وقلوب ملتهبة عطشا.
ولقد أعان الله تعالى الذي كان قد وعد نبيّه الكريم بالنصر أصحابه المسلمين الأوفياء ، مرة اخرى إذ أرسل سحابة فمطرت حتى ارتوى الناس ، واحتملوا ما يحتاجون إليه.
لا شك في أن في مقدور رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يطلع على الغيب ممّا يخفى على الناس ، ويخبر به كما يصرح القرآن الكريم بذلك ، إلاّ أنّ هذا العلم لا ريب محدود ، ويحتاج إلى تعليم الله سبحانه. يقول تعالى :
« عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ » (٢).
من هنا يمكن أن تخفى على رسول الله صلىاللهعليهوآله في بعض الاحايين ، أبسط الامور ، كأن يفقد مفتاحا ، أو يضيّع مالا ولا يعرف بمكانه ومصيره ، بينما يقدر صلىاللهعليهوآله أن يعلم بأخفى الامور الغيبية واشدها غموضا فيثير حيرة
__________________
(١) السيرة الحلبية : ج ٣ ص ١٣٤ ، السيرة النبوية : ج ٢ ص ٥٢٢.
(٢) الجن : ٢٦ و ٢٧.