رسول الله صلىاللهعليهوآله العاطفية التي كانت تبرز من دون اختيار فيما دلّ تجنب رسول الله صلىاللهعليهوآله التكلم بما يسخط الله في هذه المصيبة المؤلمة على إيمانه ورضاه بالتقدير الالهيّ الذي لا مفرّ لأحد منه.
استغرب عبد الرحمن بن عوف الأنصاري من بكاء النبيّ على ولده « إبراهيم » ، فاعترض على رسول الله صلىاللهعليهوآله : أو لم تكن نهيت عن البكاء ، وأنت تبكي؟
إن هذا المعترض لم يكن جاهلا بمبادئ الاسلام وقواعده الرفيعة فحسب ، بل كان غافلا حتى عن العواطف والمشاعر الانسانية الخاصّة التي أودعتها يد الخالق في ضميره أيضا.
إن جميع الغرائز الانسانية خلقت في الكيان البشري لأهداف خاصة ويجب ان يتجلى كل واحد منها في وقته المناسب وموقعه اللازم ، فالشخص الذي لا يحزن لفقد أحبّائه وأعزّائه ولا يغتم لفراقهم ، ولا تدمع عيناه لذلك ، وبالتالي إذا لم يظهر من نفسه أية ردة فعل عند فراقهم لم يكن سوى قطعة من الصخر ، ولا يستحق اسم الانسانية.
ولكن ثمة نقطة مهمة وجديرة بالانتباه ، وهي أنّ هذا الاعتراض وان كان اعتراضا غير موجّه ، إلاّ أنه يكشف عن وجود حرية كاملة ، وديمقراطية حقيقية في المجتمع الإسلامي الحديث التأسيس إلى درجة أنّ شخصا عاديّا من الناس تجرّأ على أن ينتقد عمل قائده بمطلق الحريّة ومن دون خوف أو وجل ، وسمع الجواب.
ومن هنا قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« لا ، إنّما هذا رحمة ، ومن لا يرحم لا يرحم » (١).
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ٢٢ ص ١٥١.