وطريدا فآويناك وعائلا فآسيناك! (١) وجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في شيء من الدّنيا تألّفت به قوما ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم ، أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وترجعوا برسول الله إلى رحالكم؟
والذي نفس محمّد بيده لو لا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار ».
ثم ترحّم على الأنصار وعلى أبنائهم وعلى أبناء أبنائهم فقال :
« اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار ».
وقد كانت كلمات النبي صلىاللهعليهوآله هذه من القوة والعاطفيّة بحيث أثارت مشاعر الأنصار ، فبكوا بعد سماعها بكاء شديدا حتى اخضلّت لحاهم وابتلّت بالدموع وقالوا : رضينا يا رسول الله حظّا وقسما!!!
ثم انصرف رسول الله صلىاللهعليهوآله وتفرّقوا (٢).
ان هذه القصة تكشف عن عمق حكمة النبي صلىاللهعليهوآله وعن حنكته السياسيّة البالغة ، وكيف أنه كان يعالج المشاكل باساليب مناسبة وبروح الصدق واللطف.
ثم ان رسول الله صلىاللهعليهوآله خرج من الجعرانة معتمرا ، بعد ان قسم الغنائم ، فلما فرغ من عمرته انصرف راجعا الى المدينة ، فقدم المدينة في اواخر شهر ذي القعدة ، أو أوائل شهر ذي الحجة.
__________________
(١) إن هذا يفيد ان النبي صلىاللهعليهوآله ما كان ينسى فضل أحد عليه وان كان هو صلىاللهعليهوآله صاحب الفضل الاكبر على الناس اجمعين.
(٢) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٤٩٨ و ٤٩٩ ، المغازي : ج ٣ ص ٩٥٧ و ٩٥٨.