« عبد الله بن ابي » المنافق المفتّن (١)
كان عبد الله ابن « عبد الله بن ابي » من فتيان الإسلام الشجعان ، ومن فرسانه البواسل ، وكان ـ كما تقتضيه تعاليم الإسلام ـ يبر بأبيه المنافق أكثر من غيره ، ولكنه عند ما عرف بما تفوّه به أبوه في شأن رسول الله صلىاللهعليهوآله وظن أن رسول الله صلىاللهعليهوآله سيقتل أباه جاء الى النبي صلىاللهعليهوآله وقال : يا رسول الله انه قد بلغني أنك تريد قتل « عبد الله بن ابي » ، فيما بلغك عنه فإن كنت لا بدّ فاعلا فمرني به فانا أحمل إليك رأسه ، فو الله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبرّ بوالده مني ، وإني أخشى أن تامر به غيري ، فيقتله فلا تدعني نفسي انظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس فاقتله ، فأقتل ( رجلا ) مؤمنا بكافر فأدخل النار!!
إن حديث هذا الفتى يعكس ـ في الحقيقة ـ أعظم تجليات الإيمان وآثاره في النفس ، والروح الانسانية.
لما ذا لم يطلب من النبي صلىاللهعليهوآله أن يعفو عن أبيه؟! لأنّه كان يعلم أن ما يفعله رسول الله صلىاللهعليهوآله إنما هو بأمر الله تعالى ، ولكن ابن عبد الله كان يرى نفسه في صراع روحيّ حادّ.
فمن جانب كانت تدعوه عواطف البنوة والابوّة والأخلاق العربيّة أن ينتقم ممّن يقتل أباه ، ويسفك بالتالي دم مسلم.
ومن جانب آخر توجب عوامل اخرى مثل ضرورة استتباب الأمن والطمأنينة في البيئة الاسلامية أن يقتل رأس المنافقين « ابن أبي » ، انه صورة من صور الصراع بين مقتضى الايمان ، ومقتضى العاطفة.
__________________
(١) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ٢٦١ و ٢٦٢ ، مجمع البيان : ج ١٠ ص ٢٩٢ ـ ٢٩٥.