ولقد اختار عبد الله بن عبد الله بن ابي طريقا ثالثا في هذا الصراع ، يضمن مصالح الإسلام من جهة ، ويحافظ على مشاعره من أن تجرح على أيدي الآخرين من جهة اخرى ، وذلك بأن يكون هو الذي ينفّذ حكم الاعدام في أبيه المنافق المشاغب.
وهذا العمل وان كان شاقا مؤلما إلاّ أن قوة الايمان بالله والتسليم لأمره سبحانه كانت تفيض عليه قدرا كبيرا من الطمأنينة والسكون.
ولكن النبي الرحيم صلىاللهعليهوآله قال ردا على سؤال واقتراح عبد الله بن عبد الله بن أبي :
« بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا »!!!
وهذا الكلام الذي يكشف عن سمو أخلاق النبيّ صلىاللهعليهوآله ومبلغ رحمته ، أدهش المسلمين جميعا فتوجهوا باللوم والعتاب الحادّ إلى المنافق « عبد الله بن أبي » ، ولحقه بسبب ذلك ذل شديد بين الناس ما وراءه ذل ، وهوان ما وراءه هوان ، واحتقره الناس حتى انه لم يعد أحد يعبأ به ، ويقيم له وزنا.
لقد علّم رسول الله صلىاللهعليهوآله المسلمين في هذه الحوادث دروسا مفيدة جدا ، وأظهر جانبا من سياسة الاسلام الحكمية ، والرشيدة.
فقد تحطم « عبد الله بن أبي » رئيس المنافقين بعد هذه الحادثة ، ولم يعد له أي دور ، بل عاش بقية حياته مهانا محتقرا بين الناس بعد أن رأى الناس إيذاءه المستمر لرسول الله ، وعفو النبي صلىاللهعليهوآله عنه ، واغضاءه عن مساوئه.
وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لعمر بن الخطاب ذات يوم حين بلغه احتقار الناس لابن ابي ذلك الاحتقار ، وسقوط محله في القلوب :
« كيف ترى يا عمر ، أما والله لو قتلته يوم قلت لي : اقتله ، لارعدت له انف ، لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته ».
فقال عمر : قد والله علمت لأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله أعظم بركة