لقد كان هذا الرجل ممّن لم يوفّق ـ في بداية الامر ـ لمرافقة رسول الله صلىاللهعليهوآله إلاّ أنه التحق بركبه المقدس ونال السعادة العظمى بحسن اختياره الذي يستحق الاكبار والتقدير ، ولم يكن مثل اولئك الذين طلبتهم السعادة ولكنهم رفضوها ، وابتعدوا عنها ، وآثروا البقاء في ضلالهم وشقائهم.
فهذا « عبد الله بن ابي » رئيس المنافقين وكبيرهم الذي عزم على أن يشارك مع رسول الله صلىاللهعليهوآله في هذه الغزوة أقام خيمته في معسكر المسلمين ، ولكنه لخبث سريرته ، وعدائه الشديد للاسلام ونبيّه الكريم صلىاللهعليهوآله بدّل رأيه ساعة رحيل الجيش الاسلامي ، وعاد الى المدينة مع أصحابه ليقوم بالشغب ، وحيث إن رسول الله صلىاللهعليهوآله كان على علم بنفاقه ، وخبث سريرته وكان يدرك جيدا أن مشاركة هذا العنصر المنافق وجماعته في ذلك الجهاد لن تعود على المسلمين بفائدة ، لذلك لم يهتم صلىاللهعليهوآله بانفصاله عن الجيش الاسلامي ورجوعه الى المدينة.
لقد واجه جيش الاسلام في أثناء الطريق متاعب ومشاق كثيرة ، ولهذا سمّي هذا الجيش بجيش « العسرة » ولكن ايمانهم العميق بالله ، وحبّهم الشديد للهدف المقدس سهّل لهم تلك المصاعب ، وهوّن عليهم تلك المشاق ، التي استقبلوها بصدور رحبة.
وعند ما وصل جيش الاسلام إلى أرض ثمود غطّى رسول الله صلىاللهعليهوآله وجهه بثوبه ، واستحثّ راحلته ومرّ على بيوتهم ، وأطلالهم بسرعة وقال لأصحابه :
« لا تدخلوا بيوت الّذين ظلموا إلا وأنتم باكون خوفا أن يصيبكم مثل ما أصابهم ».
وهو بذلك يحث أصحابه على التدبر في أحوال من مضى من الاقوام