ومن حسن الاتفاق أن غزوة تبوك خدمت هدف النبي صلىاللهعليهوآله وهو اجتذاب الاقوام العربية الى الاسلام ـ خدمة كبرى ـ ، لأنه قد شاع في جميع انحاء الجزيرة العربية أن الروميين ( الذين غلبوا الايرانيين الذين طالما سادوا نصف المعمورة في ذلك الوقت وحكموا حتى اليمن وما حولها في آخر حروبهم ، واستعادوا منهم صليبهم واعادوه إلى بيت المقدس ) ارعبوا بالقوة الاسلامية الكبرى ، وانصرفوا عن مقابلة جنود الاسلام.
لقد دفع هذا النبأ اشدّ القبائل عنادا ، والتي كانت حتى يوم أمس غير مستعدة للتعايش مع الاسلام والخضوع له ، دفعها إلى أن تغيّر من مواقفها المتعنتة المتصلبة ، وتفكّر في التعاون والتعايش مع المسلمين ، ولكي تسلم من عدوان القوى الكبرى في ذلك اليوم ( إيران والروم ) انضوت تحت لواء الاسلام ، واعلنت عن انتمائها إليه. وإليك فيما يلي نموذج من هذه التطورات التي حدثت في مواقف تلك القبائل العربية المعادية للاسلام.
كانت قبيلة ثقيف معروفة بطغيانها وعنادها العجيب بين القبائل العربية ، ولقد قاوموا حصار الجيش الاسلامي لهم مدة شهر واحد معتصمين بحصونهم في الطائف ولم يسلّموا (١).
هذا وكان « عروة بن مسعود الثقفي » وهو أحد سادة ثقيف قد علم بانتصار المسلمين الكبير في أرض تبوك ، فقدم على رسول الله صلىاللهعليهوآله قبل أن يدخل المدينة ، وأسلم على يديه واستأذنه في أن يذهب إلى الطائف ، ليدعو قبيلته إلى دين التوحيد فحذره رسول الله صلىاللهعليهوآله من مخاطر هذا العمل لأنه صلىاللهعليهوآله كان يعرف أنّ فيهم نخوة الامتناع الذي كان
__________________
(١) المغازي : ج ٢ ص ٩٢٢ ـ ٩٣٨.