ذلك لمنع أبي سفيان من النواح والبكاء على القتلى.
فبينما هو كذلك إذ سمع نائحة من الليل فقال لغلامه ـ وقد ذهب بصره وعمي ـ : هل بكت قريش على قتلاها لعليّ أبكي على زمعة ، فان جوفي قد احترق.
فذهب الغلام ورجع إليه فقال : إنما هي امرأة تبكي على بعيرها قد أضلّته ، فأنشد الأسود بن المطلب حينها يقول :
أتبكي أن يضل لها بعير |
|
ويمنعها من النوم السهود |
فلا تبكي على بكر (١) ولكن |
|
على بدر تقاصرت الجدود |
على بدر سراة بني هصيص |
|
ومخزوم ورهط أبي الوليد |
وبكّي ان بكيت على عقيل |
|
وبكيّ حارثا اسد الاسود (٢) |
في هذه المعركة بالذات أعلن رسول الله صلىاللهعليهوآله عن قرار تاريخي عظيم ورائع هو : أن من علّم من الاسرى عشرة من صبيان الغلمان والصبيان من أولاد الأنصار الكتابة والقراءة كان ذلك فداؤه وخلّي عن سبيله من غير أن يؤخذ منه مال (٣).
وان من دفع فدية قدرها أربعة آلاف درهم إلى ألف درهم خلي سبيله وان من كان فقيرا لا مال له افرج عنه دون فداء.
فأحدث هذا النبأ في مكة لدى عوائل الاسرى حركة عجيبة ودفعهم الى التفكير في تقديم الفداء الى المسلمين ، واطلاق اسراهم.
فهيّأ كل واحد منهم ما استطاع وقدم المدينة يفدي اسيره.
وعند ما افرج عن سهيل بن عمرو لقاء فدية قال عمر بن الخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوآله : يا رسول الله دعني أنزع ثنيتي سهيل بن عمرو ( أي أسنانه
__________________
(١) البكر : الفتى من الابل.
(٢) السيرة النبوية : ج ١ ص ٦٤٨.
(٣) السيرة الحلبية : ج ٢ ص ١٩٣.