فأراد رجال معاوية أن يموهوا الأمر ، ويشوشوه عليه فقالوا : ما لعمار ولصفين؟ فذلك ما يقوله أهل العراق وما يبالون من الكذب.
ولكن ذا الكلاع لم يقتنع بهذا فقال لعمرو بن العاص : يا أبا عبد الله أما قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « إن عمارا تقتله الفئة الباغية »؟
فقال عمرو : أجل ، ولكن ليس عمار في رجال علي.
فقال ذو الكلاع : فلا بدّ اذن أن أعرف ذلك بنفسي.
ثم أمر رجالا بأن يتحقّقوا من الأمر. وفي هذه اللحظة الحساسة ادرك معاوية وعمرو خطورة الموقف اذ لو تحقق ذو الكلاع من وجود عمّار في معسكر « علي » أو عرف بمقتله بين يديه عليهالسلام إذن لأحدث ذلك شرخا كبيرا وتمزقا فضيعا في جيش الشام ، من هنا تمت تصفية ذو الكلاع فورا اذ قتل بصورة غامضة (١).
إن اشتهار هذا الحديث لدى محدثي السنة والشيعة ليغنينا عن استعراض مصادره ، واسناده.
فقد روى الامام احمد بن حنبل أنه لما قتل عمار بن ياسر دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص فقال قتل عمّار وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : تقتله الفئة الباغية فقام عمرو بن العاص فزعا يرجع ( أي يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ) حتى دخل على معاوية ، فقال معاوية : ما شأنك؟ قال : قتل عمّار فقال معاوية : قد قتل عمّار فما ذا؟ قال عمرو : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : تقتله الفئة الباغية فقال له معاوية : أو نحن قتلناه انما قتله علي وأصحابه جاءوا به حتى القوه بين رماحنا ( وسيوفنا ) (٢).
ولكن لا يخفى أن هذا التأويل الباطل الذي لجأ إليه ابن أبي سفيان لتهدئة جنود الشام ، ليس مقبولا عند الله تعالى قط ، كما لا يقبل به أيّ عاقل لبيب.
فإنّ هذا هو الاجتهاد في مقابلة النص ، وهو مما لا قيمة له أبدا ، فان هذا
__________________
(١) وقعة صفين : ٣٧٧ و ٣٨٧.
(٢) مسند الامام احمد بن حنبل : ج ٤ ص ١٩٨.