ذلك من عذاب روحي شديد.
ثم ان رسول الله صلىاللهعليهوآله حين أراد السعي بين الصفا والمروة سمع بأن قريشا تحدثت بينها أن محمّدا وأصحابه في عسرة وجهد وشدة ، وان الذين هاجروا معه الى المدينة مرضى ، وأنهم صفّوا له عند دار الندوة لينظروا إليه وإلى أصحابه ، فهرول رسول الله صلىاللهعليهوآله هرولة في المكان المعلّم الآن في المسعى ، وتبعه المسلمين وقد قال لهم قبل ذلك.
« رحم الله امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة » (١).
وذلك ليبطل ما اشاعته قريش حول المسلمين المهاجرين من الضعف والهزال بسبب ظروف المهجر. وهذا إن دل على شيء فانما يدل على امرين :
أولا : جواز القيام بالأعمال السياسية في موسم الحج.
ثانيا : ان النبي صلىاللهعليهوآله كان حذرا جدا فكان يبطل كل خطط العدو أولا بأول.
يقول صاحب زاد المعاد : أمر النبي بذلك ليرى المشركون جلدهم وقوتهم ، وكان يكايدهم ( أي يبطل كيدهم ) بكل ما استطاع (٢).
ثم ان رسول الله صلىاللهعليهوآله بعد أن فرغ من السعي نحر البدن ، ثم قصّر من شعره ، ثم خرج من إحرامه ، وتبعه المسلمون في كلّ ما فعل.
ثم أمر صلىاللهعليهوآله مائتين من أصحابه بعد أن طافوا بالبيت وانتهوا من مناسك العمرة ان يذهبوا إلى أصحابه بمرّ الظهران فيقيموا على السلاح فيأتي الآخرون فيقضوا مناسكهم ، ففعلوا.
انتهت أعمال العمرة ونسكها ، وذهب المهاجرون إلى منازلهم التي هجروها قبل سبعة أعوام ، ليجدّدوا اللقاء بذويهم وأقربائهم بعد طول فراق ، واستضافوا
__________________
(١) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ٣٠٩ وراجع نظيره في زاد المعاد : ج ٢ ص ١٥٢.
(٢) زاد المعاد : ج ٢ ص ١٥٢. ولنا مقال مفصل في هذا المجال تحت عنوان الحج عبادة وسياسة نشر في مجلة الشهيد فراجع.