من هنا صاح بأعلى صوته وهو على بغلته :
« يا أنصار الله وانصار رسوله أنا عبد الله ورسوله ».
قال هذا واندفع ببغلته الى ساحة القتال في المكان الذي جعله « مالك » وجنوده مسرحا لمهاجمة المسلمين ومباغتتهم وقتالهم ، ومشى معه من لازمه في تلك اللحظات وثبتوا معه كعلي بن أبي طالب عليهالسلام والعباس بن عبد المطلب ، والفضل بن العباس ، وأبي سفيان بن الحارث الذي لم يغفلوا عن رسول الله صلىاللهعليهوآله منذ بدء القتال لحظة واحدة ، وامر رسول الله صلىاللهعليهوآله عمّه العباس الذي كان صاحب صوت عظيم أن ينادي في المسلمين الذين كانوا يواصلون فرارهم ، ولا يلوون على شيء :
« يا معشر الانصار ، يا معشر السمرة » (١).
ويقصد من السمرة الشجرة التي كانت عندها بيعة الرضوان ، فكان هذا النداء تذكيرا بتلك البيعة التي تعهدوا فيها لرسول الله صلىاللهعليهوآله بان ينصروه حتى الموت.
فبلغت صرخات العباس مسامع المسلمين فثارت حميتهم ، وأخذوا يثوبون الى رسول الله صلىاللهعليهوآله وهم يقولون : لبيك لبيك.
لقد أوجبت نداءات العباس المتلاحقة التي كانت تخبر وتنبئ في الحقيقة عن سلامة رسول الله صلىاللهعليهوآله أن تعود الجماعات الهاربة من ساحة القتال الى رسول الله صلىاللهعليهوآله وهي نادمة على فرارها ندما شديدا ، ونظّموا صفوفهم أمام العدو من جديد أفضل ممّا مضى ، ثم حملوا حملة رجل واحد على العدوّ الغادر بأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله لغسل ما لحق بهم من عار الفرار ، واستطاعوا في أقصر مدة من الوقت ان يجبروا العدوّ على الانسحاب والفرار والرسول القائد صلىاللهعليهوآله يقول تشجيعا لهم ، وتقوية لمعنوياتهم :
__________________
(١) ولقد ذكر المغازي في ج ٣ ص ٩٠٢ جانبا من بطولات علي عليهالسلام وتضحياته في هذه الموقعة.