فأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله بمحاصرتهم ، ومنع من دخول أيّ امداد إليهم ، كما منع من اتصالهم بأي أحد خارج حصونهم.
فحصرهم في حصونهم خمس عشرة ليلة أشدّ الحصار ، حتى قذف الله في قلوبهم الرعب ، وفقدوا القدرة على المقاومة ، ورضوا بأن ينزلوا عند حكم النبيّ صلىاللهعليهوآله فيهم!!
وأراد رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يؤدب تلك الجماعة التي كانت أول من نقض العهد ونبذ الميثاق تأديبا قاسيا ، يكون عقابا لهم وعبرة لغيرهم.
ولكن « عبد الله بن أبي بن سلول » الذي كان من منافقي المدينة ويتظاهر بالاسلام ، أصرّ على رسول الله صلىاللهعليهوآله بأن يحسن معاملتهم ، ولا يأخذهم بما فعلوا لحلف ومودة كانت بينه وبين يهود من السابق ، فانصرف النبيّ صلىاللهعليهوآله عن ما كان يريد من تأديبهم الشديد ، وعقوبتهم على كره منه (١) ولكن أمر بأن يجلوا من المدينة ، ولا يبقوا فيها شريطة أن يتركوا أسلحتهم ، وأموالهم ، ودروعهم.
فنزلوا على حكم رسول الله صلىاللهعليهوآله وكلّف رسول الله صلىاللهعليهوآله أحد المسلمين بقبض أموالهم وأسلحتهم ، وكلّف « عبادة بن الصامت » باجلائهم من حصونهم فعجّل عبادة في ترحيلهم وإجلائهم.
فخرجوا من المدينة ولحقوا بمنطقة تدعى « أذرعات » وهي بلد في اطراف الشام.
__________________
(١) هذا مع العلم ان القرآن الكريم ندّد بمثل هذه الوساطة الذي قام بها ذلك الرجل المنافق رغم تخفيف النبيّ صلىاللهعليهوآله معاقبة اليهود ورسم للمسلمين منهجا في التعامل مع اليهود والنصارى إذ قال :
« يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ، وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ ، يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ ، فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ ، فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ. وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا ، أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ » ( المائدة : ٥١ ـ ٥٣ ).