والاونى ، فانتقم به ، ثمّ انتقم منه فاعتبر بغيرك ، ولا يعتبر غيرك بك ، ان هذا النبيّ صلىاللهعليهوآله دعا الناس فكان أشدّهم عليه قريش ، وأعداهم له اليهود ، وأقربهم منه النصارى ولعمري ما بشارة موسى بعيسى عليهما الصلاة والسلام إلاّ كبشارة عيسى بمحمّد صلىاللهعليهوآله وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلاّ كدعائك أهل التوراة إلى الانجيل ، وكل نبي أدرك قوما فهم امّته ، فالحق عليهم أن يطيعوه ، فانت ممّن أدرك هذا النبيّ ، ولسنا ننهاك عن دين المسيح عليهالسلام ولكنا نأمرك به.
وهو يقصد بكلامه الأخير أن الاسلام هو الصورة الاكمل لدين المسيح.
انتهى الحوار بين حاطب سفير النبي صلىاللهعليهوآله والمقوقس حاكم مصر إلاّ أن المقوقس لم يعطه جوابا قاطعا في ذلك المجلس ، فكان على حاطب أن يلبث في مصر مدة حتى يتلقى جواب كتاب رسول الله صلىاللهعليهوآله (١).
ثم طلب المقوقس حاطبا ذات يوم وانفرد به في قصره ، وسأله عن ما جاء به رسول الله وإلى مَ يدعو؟ فقال له حاطب : إلى أن نعبد الله وحده ، ويأمر بالصلاة ، خمس صلوات في اليوم والليلة ويأمر بصيام رمضان ، وحج البيت ، والوفاء بالعهد ، وينهى عن أكل الميتة والدم .. و ... و ...
فقال له المقوقس : صفه لي.
قال حاطب : فوصفت فأوجزت.
فقال المقوقس : مصدّقا ما ذكره حاطب من أوصاف رسول الله صلىاللهعليهوآله : هذه صفته ، وكنت أعلم أن نبيّا قد بقي ، وكنت اظن أن مخرجه بالشام وهناك كانت تخرج الأنبياء من قبله ، فأراه قد خرج في أرض العرب ، في أرض جهد وبؤس ، والقبط لا تطاوعني في اتّباعه ، وسيظهر على البلاد ، وينزل أصحابه من بعد بساحتنا هذه ، حتى يظهروا على ما هاهنا.
__________________
(١) السيرة الحلبية : ج ٣ ص ٢٥٠.