وعند ما كانت هذه القبائل والقطعات تمرّ ، سأل أبو سفيان العباس عن اسمها ، وخصوصياتها ، فكان العباس يوضح له كل ذلك.
والذي كان يزيد هذا الجيش المنظم جلالا وعظمة أن قادة هذه الافواج والكتائب كانوا اذا مرّوا على العباس وأبي سفيان كبّروا ثلاثا بأعلى أصواتهم وبشكل منظّم ، وكبّر من ورائهم جنودهم بصوت واحد ومنظم أيضا كأكبر شعار اسلامي.
ولقد كان لهذه التكبيرات الهادرة التي كانت تدوّي في وديان مكة ، وتردّدها الجبال والوديان ، أكبر الاثر في نفوس الاصدقاء والاعداء ، فكانت تزيد بهيبتها وجلالها من محبة الاصدقاء للنظام الاسلامي العظيم ، بينما ترهب أعداء الله ، وتغرقهم في خوف ورعب شديدين.
هذا وكان أبو سفيان ينتظر بفارغ الصبر عبور الكتيبة التي فيها رسول الله صلىاللهعليهوآله ولهذا كان يسأل العباس كلما مرّت قطعة من قطعات الجيش الاسلامي : أفيها محمّد؟ أو ما مضى بعد محمّد؟!
فيقول العباس : لم يمض بعد ، لو رأيت الكتيبة التي فيها محمّد صلىاللهعليهوآله رأيت الحديد والخيل والرجال وما ليس لأحد به طاقة.
وبينما هما كذلك إذ طلعت كتيبة عظيمة قوامها خمسة آلاف مقاتل ، فيها ألفا دارع فقط ، فيها الرايات والألوية الكثيرة ، فيها المهاجرون والانصار ، مع كل بطن وقبيلة من قبائل الأنصار راية ولواء ، وكانت تسمى كتيبة رسول الله صلىاللهعليهوآله الخضراء لأن أفرادها كانوا في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق ، وقد ركبوا الخيول العربية الاصيلة ، والحمر من الإبل ، ورسول الله صلىاللهعليهوآله في وسطها راكب على ناقته القصوى ، وقد أحدق به كبار الشخصيات من
__________________
ـ ج ٣ ص ٨٠٠ و ٨٠١ وص ٨١٩ بشكل دقيق ، وقد نقلها عنه ابن أبي الحديد في ج ١٧ ص ٢٧٠ و ٢٧١.