الحكم ، والقاعدة الفقهيّة ما تكون بنفسها حكماً كلّياً فرعياً ، والمسألة الفقهيّة عبارة عن الأحكام الفرعيّة الجزئيّة ، أي ما يتعلّق به عمل المكلّف ( وإن كان كلّياً في نفسه ) ، والاصول العمليّة إنّما هى من القسم الثاني لأنّها بنفسها أحكام كلّية فرعيّة.
ولكن عند الدقّة والتأمّل يظهر أنّها من القسم الأوّل ، وذلك لعدم اشتمالها على حكم من الأحكام الخمسة ، أمّا البراءة فلأنّها في الشبهات الوجوبيّة عبارة عن عدم الوجوب ، وفي الشبهات التحريميّة عبارة عن عدم الحرمة ، فليست هى بنفسها حكماً معيّناً من الأحكام الخمسة ( لا وجوداً ولا عدماً ).
وأمّا الاستصحاب فلأنّه عبارة عن العمل بالحالة السابقة المتيقّنة ، ولا يخفى أنّ المعلوم سابقاً تارةً يكون وجوباً واخرى تحريماً ، وثالثة حكماً وضعيّاً ، كما أنّه قد يكون موضوعاً خارجياً ، فلا يندرج في تعريف القواعد الفقهيّة.
وهكذا الاحتياط لأنّه في الشبهات الوجوبيّة عبارة عن الوجوب ، وفي الشبهات التحريميّة عبارة عن الحرمة ، فليس في جميع الموارد حكماً من الأحكام الخمسة ، بل إنّه يدلّ على مطلق الإلزام ، وليس الإلزام نوعاً من الأحكام الخمسة.
وهكذا التخيير لأنّه سيأتي أنّ المراد منه في مباحث الاصول العمليّة إنّما هو التخيير العقلي ، وعبارة عن نفي البأس والعقاب باختيار المكلّف أحد الأطراف ، فليس حكماً شرعيّاً من الأحكام الخمسة.
أمّا الأمر الثالث : وهو انحصار الاصول العمليّة في الأربعة فيستفاد من كلمات المحقّق الخراساني رحمهالله نفي انحصارها العقلي في الأربعة مع اعترافه بأنّ المهمّ منها أربعة ، وأنّ مثل قاعدة الطهارة وإن كان ممّا ينتهي إليها فيما لا حجّة على طهارته ، ولا على نجاسته ، إلاّ أنّ البحث عنها ليس بمهمّ لأنّها ثابتة بلا كلام من دون حاجة إلى نقض وإبرام بخلاف الأربعة فإنّها محلّ الخلاف بين الأصحاب ، ويحتاج تنقيح مجاريها وتوضيح ما هو حكم العقل أو مقتضى عموم النقل فيها إلى مزيد بحث وبيان ، ومؤونة حجّة وبرهان ، هذا مع جريانها في كلّ الأبواب واختصاص تلك القاعدة ببعضها.
وصرّح شيخنا الأعظم رحمهالله في موضعين من رسائله ( أوائل مباحث القطع وأوّل البحث عن البراءة ) بحصر مجاريها في الأربعة عقلاً.