وهذا هو المختار ، لأنّ مثل قاعدة الطهارة ليست أساساً من الاصول العمليّة حتّى تصل النوبة إلى البحث عن وضوحها وعدم وضوحها ، بل هى من القواعد الفقهيّة لكونها حكماً كلّياً وضعيّاً يستفاد منها الأحكام الجزئيّة الفقهيّة بتطبيقها على موارد الشكّ في الطهارة ، مضافاً إلى أنّ اعتذار المحقّق الخراساني رحمهالله بأنّها واضحة لا تحتاج إلى نقض وإبرام في غير محلّه ، لأنّها أيضاً تحتاج إلى البحث والدراسة كما يظهر لمن راجعها ، فالوجه في عدم ذكرها في الاصول العمليّة هو دخولها في القواعد الفقهيّة وعدم وجود المناسبة بينها وبين المسائل الاصوليّة.
ثمّ إنّ أحسن ما قيل في بيان حصر مجاري الاصول العمليّة في الأربعة هو ما أفاده شيخنا الأعظم رحمهالله ، وحاصله إنّ المشكوك إمّا له حالة سابقة ملحوظة (١) أو لا ، والأوّل مورد الاستصحاب ، والثاني ( وهو ما إذا لم تكن له حالة سابقة أو كانت ولم تكن ملحوظة ) إمّا أن يكون الاحتياط فيه ممكناً أو لا ، والأوّل (٢) إمّا قام دليل عقلي أو نقلي على ثبوت العقاب بمخالفة الواقع المجهول أو لا ، والأوّل مورد الاحتياط ، والثاني مورد البراءة.
أقول : إنّ كلامه أدقّ ما افيد في هذا المجال ، ولكنّه في نفس الحال ليس سليماً عن الإشكال ، وعمدة الإشكال أنّ ظاهره أنّ مجرى قاعدة التخيير هو عدم إمكان الاحتياط مطلقاً ، أي كلّ ما كان الاحتياط فيه غير ممكن يكون المجرى لقاعدة التخيير مع أنّه ليس كذلك بالنسبة إلى بعض الموارد ، كما إذا دار الأمر مثلاً ( كما في صلاة العيد في زمن الغيبة ) بين الوجوب والحرمة والاستحباب ، فإنّ المجرى فيه هو البراءة مع عدم إمكان الاحتياط فيه.
ثمّ إنّ للمحقّق النائيني رحمهالله في فوائد الاصول بياناً في هذا المقام ، وإليك نصّه : « إمّا أن يلاحظ الحالة السابقة للشكّ أو لا ، وعلى الثاني إمّا أن يكون التكليف معلوماً بفصله (٣) أو نوعه (٤) أو جنسه (٥) أو لا ، وعلى الأوّل إمّا أن يمكن فيه الاحتياط أو لا ، فالأوّل مجرى
__________________
(١) بخلاف ما إذا كانت للمشكوك حالة سابقة ، ولكن لم تكن ملحوظة كما في موارد الشكّ في المقتضي فليس الاستصحاب فيه حجّة.
(٢) وهو ليس منحصراً في الشبهات المحصورة في الشكّ في المكلّف به ، بل يعمّ الشكّ في التكليف في الشبهات قبل الفحص.
(٣) كما إذا علمنا أنّ لهذا العمل المنع من الترك وهو فصل الوجوب.
(٤) كما إذا كان المعلوم هو الوجوب.
(٥) كما إذا كان المعلوم هو أصل اللزوم.