إن قلت : إنّ ما نحن فيه مشمول لأدلّة تعارض الخبرين المتعارضين التي تقتضي التخيير شرعاً.
قلنا : إنّه قياس مع الفارق ، لأنّ مورد تلك الأدلّة هو الأخبار ، والأخبار إمّا أن تكون حجّة من باب السببيّة أو من باب الطريقيّة ، فعلى الأوّل يكون التخيير بين الخبرين المتعارضين على القاعدة ، لفرض حدوث مصلحة ملزمة في المؤدّى بسبب قيام خبر على الوجوب ، وحدوث مفسدة ملزمة فيه بقيام خبر آخر على حرمة نفس ذلك المتعلّق ، فيقع التزاحم بين تكليفين تتعذّر موافقتهما ويستقلّ العقل بالتخيير حينئذٍ إذا لم يكن ترجيح بين الملاكين.
وعلى الثاني ( وهو حجّية الأخبار على الطريقيّة ) فالقياس مع الفارق أيضاً ، ضرورة أنّ مقتضى القاعدة الأوّلية في تعارض الطرق وإن كان هو التساقط لا التخيير ، إلاّ أنّه لمّا كان منهما واجداً لشرائط الحجّية ولما هو مناط الطريقيّة من احتمال الإصابة ولم يمكن الجمع بينهما في الحجّية الفعلية لمكان التعارض فقد جعل الشارع أحدهما حجّة تخييراً مع التكافؤ ، وتعييناً مع المزيّة لمصلحة لاحظها في ذلك ، وهذا بخلاف المقام إذ ليس في شيء من الاحتمالين اقتضاء الحجّية. ( انتهى كلام المحقّق الخراساني رحمهالله بتحرير منّا ).
أقول : الإنصاف أنّ الصحيح هو القول الأوّل ، أي الحكم بالإباحة ظاهراً عقلاً وشرعاً وذلك باعتبار أنّه بعد فرض عدم إمكان الاحتياط ولغوية وجوب أحدهما تخييراً في مقام الظاهر لكونه تحصيلاً للحاصل تصل النوبة إلى احتمال وجوب أحدهما معيّناً لأنّه نحتمل تكليف الشارع بالنسبة إلى خصوص الفعل أو خصوص الترك ، وحينئذٍ لا إشكال في جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان لتحقّق موضوعها وهو عدم البيان إذ لا بيان على خصوص الوجوب أو الحرمة كما لا إشكال في عموم أدلّة الإباحة الشرعيّة لعدم اختصاصها بما إذا كان أحد طرفي الشكّ في حرمة شيء هو الإباحة كشرب التتن حتّى يختصّ بالشبهة البدوية ، بل يعمّ ما إذا علم جنس الإلزام ولم يعلم النوع الخاصّ منه ، فوجوب أحدهما تعييناً مرفوع كرفع الحرمة المحتملة في سائر الموارد.
أمّا القول الثاني : وهو التخيير شرعاً وعقلاً قياساً لما نحن فيه بتعارض الخبرين المتعارضين الجامعين لشرائط الحجّية فقد مرّ الجواب عنه ضمن بيان كلام المحقّق