في المسألة أقوال ثلاثة :
١ ـ ما ذهب إليه المشهور من عدم تنجّس الملاقي مطلقاً.
٢ ـ ما حكي عن العلاّمة في المنتهى وابن زهرة في الغنية من التنجّس ووجوب الاجتناب مطلقاً.
٣ ـ ما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله في الكفاية من التفصيل بين صور ثلاث : ففي صورة قال بوجوب الاجتناب عن الملاقي والملاقى معاً ، وفي صورة اخرى قال بوجوب الإجتناب عن خصوص الملاقى ، وفي صورة ثالثة قال بوجوب الاجتناب عن الملاقي دون الملاقى.
وبما أنّ المسألة ليس لها دليل خاصّ فلابدّ من الرجوع إلى الأدلّة الأوّليّة الجارية في أطراف العلم الإجمالي وملاحظة أنّها هل تشمل ملاقيها أو لا؟
والصحيح عدم الشمول ، لأنّ وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي كان مبنيّاً على وجهين : وجوب المقدّمة العلميّة ، وتعارض الأدلّة المرخّصة ، وكلاهما غير جاريين في المقام.
أمّا الأوّل : فلأنّ ما يكون مقدّمة للعلم بالفراغ عن خطاب « اجتنب عن النجس » مثلاً إنّما هو الاحتياط في نفس الأطراف التي يحتمل إنطباق المعلوم بالإجمال على بعضها ، دون غيرها ممّا لا يحتمل انطباق المعلوم عليه وإن كان محكوماً عليه بحكم بعض الأطراف واقعاً ، لكون ذلك البعض علّة لنجاسة ملاقيه ، لكن الملاقي على هذا التقدير فرد آخر ليس إرتكابه مخالفة لخطاب « اجتنب عن النجس » المعلوم إجمالاً ، بل مخالفة لخطاب آخر وهو « اجتنب عن ملاقي النجس » الذي هو مشكوك الوجود.
وأمّا الثاني : فلأنّ المفروض حصول الملاقاة بعد تساقط الاصول المرخّصة بأحد المنشأين المذكورين سابقاً ( تعارضها أو التناقض بين صدر الأدلّة وذيلها ) فالأصل المرخّص الجاري في الملاقي لا معارض له.
إن قلت : كيف يمكن التفكيك بين الملاقي والملاقى في الحكم مع العلم باتّحادهما في الواقع؟
قلنا : إنّ عدم الفرق في مقام الواقع والثبوت بين شيئين لا ينافي التفكيك بينهما في مقام الإثبات والحكم الظاهري ( كما ثبت في محلّه ) نظير ما أفتى به المحقّقون من التفرقة بين الماء المشكوك الكرّية الذي لم يعلم حالتها السابقة ، والثوب النجس الملاقي به ، فأفتوا ببقاء الماء