المساهمة أليس حقّاً؟ فقال زرارة : بل هى حقّ ، فقال الطيار : أليس قد ورد أنّه يخرج سهم المحقّ؟ قال : بلى ، قال : فتعال حتّى أدّعي أنا وأنت شيئاً ثمّ نساهم عليه وننظر هكذا هو؟ فقال له زرارة : إنّما جاء الحديث بأنّه ليس من قوم فوّضوا أمرهم إلى الله ثمّ اقترعوا إلاّخرج سهم المحقّ ، فأمّا على التجارب ، فلم يوضع على التجارب ، فقال الطيار : أرأيت إن كانا جميعاً مدّعيين إدّعيا ما ليس لهما من أين يخرج سهم أحدهما؟ فقال زرارة : إذا كان كذلك جعل معه بينهم مبيح فإن كان إدّعيا ما ليس لهما خرج سهم المبيح » (١).
فإنّها واضحة الدلالة على كون القرعة أمارة على الواقع.
أضف إلى ذلك ما ورد في الكتاب الكريم في قصّة يونس : ( وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ ) (٢).
فإنّ هذه الآية أيضاً تدلّ على أنّه يمكن جعل أحد طرفي الشكّ الذي وافقته الأمارة أمارة على الواقع.
بل يدلّ عليه ما ورد في باب الاستخارات حيث إنّها في الواقع نوع من القرعة وأمارة على الواقع ، ولم توضع لمجرّد رفع التحيّر في مقام العمل فحسب.
فظهر أنّ كون الشكّ بمنزلة الظلمات إنّما هو بالنسبة إلى أنظارنا ، وأمّا عند الشارع العالم بالشهادة والغيب فقد يكون لأحد الطرفين ( وهو الطرف الذي توافقه القرعة ) نور وضياء ، فيجعله أمارة وطريقاً إلى الواقع.
هذا كلّه هى الامور الخمسة التي ينبغي ذكرها قبل الورود في أصل البحث عن مسائل الاصول الأربعة ، ونشرع الآن بحول الله تعالى في أصالة البراءة في الشبهات التحريميّة الحكميّة ( كالشكّ في حرمة العصير العنبي إذا غلى ، أو الشكّ في حرمة بعض أجزاء الذبيحة أو حرمة التدخين ). ونستمدّ منه التوفيق والهداية.
__________________
(١) وسائل الشيعة : الباب ١٣ ، من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، ح ٤.
(٢) سورة الصافات : الآيه ١٣٩ ـ ١٤١.