ورد في دليل آخر : « إنّ المراد منه مطلق الشكّ وأنّ ذكر الثلاث والأربع من باب المثال ».
هذا ـ وقد ظهر ممّا ذكر الفرق بين التخصيص والحكومة ، حيث إنّ لسان التخصيص لسان التعارض ، ولسان الحكومة هو التفسير والتوضيح مطابقة أو التزاماً ، والمراد من التفسير أنّ الدليل الثاني لا يكون له معنى قابلاً للفهم بدون الدليل الأوّل ، بخلاف التعارض ، فإنّ لكلّ من الدليلين المتعارضين معناً مستقلاً ولا يتوقّف فهم أحدهما على الآخر ، ومن هنا يشترط في التخصيص إقوائيّة الدليل المخصّص خلافاً للحكومة.
ثمّ إنّه لا يعتبر في الحكومة كما أشرنا إليه كون الدليل الحاكم بصيغة تدلّ بالمطابقة على التفسير كقولك : « إنّما عنيت » أو « افسّر » بل تكفي الدلالة عليه بالالتزام كما في كثير من الأمثلة السابقة.
إذا عرفت هذا نقول : إنّ أدلّة الأمارات حاكمة على الاصول العمليّة لأنّ موضوع الاصول قد أخذ فيه الشكّ ، ودليل الأمارة كآية النبأ يلغى احتمال الخلاف ، وينفى الحكم بلسان نفي الموضوع وكأنّه يقول : شكّك ليس بشكّ.
نعم تكون النسبة بينها وبين الاصول العقليّة نسبة الورود ، فإنّ الموضوع في البراءة العقليّة ( قاعدة قبح العقاب بلا بيان ) إنّما هو عدم الحجّية ، ودليل حجّية خبر الواحد مثلاً يقول : إنّ مفاد خبر الواحد حجّة فيوجب انعدام موضوع اللاّحجّة بالحجّة ، وهكذا بالنسبة إلى الاحتياط العقلي فإنّ موضوعه عدم الأمن من العقاب ودليل حجّية خبر الواحد يبدّل عدم الأمن إلى الأمن ، وكذلك في التخيير العقلي فإنّ الموضوع فيه عدم وجود الرجحان لأحد الدليلين ، وخبر الواحد يكون مرجّحاً.
أمّا الخامس : ـ وهو عدم اختصاص الأمارة بموارد الظنّ ـ فالمعروف في ألسنّة الاصوليين أنّه لا يوجد في مورد الشكّ أمارة لأنّ الشكّ ظلمة محضة لا يكون له كشف عن الواقع فلا يمكن جعله أمارة.
لكنّه ينتقض بمثل القرعة فقد وردت فيها روايات خاصّة تدلّ على أماريتها على الواقع ، وأنّها توجب الوصول إلى الواقع إذا فوّض الأمر فيه إلى الله تعالى ( مع أنّه لا شكّ في أنّها ظلمة وشكّ محض ).
ومن هذه الروايات ما رواه الشيخ عن جميل قال : قال الطيار لزرارة : « ما تقول في