( كما مرّ ) ، بل لعلّ الدليل على الخلاف ، حيث إنّ ديدن الأئمّة وسيرة أصحابهم على العمل بالأمارات الترخيصيّة وترك الاحتياط فيها ولو لم يلزم منه اختلال النظام ، فكانوا عليهمالسلام يستجيبون دعوة المؤمنين مع وجود احتمال الشبهة في بيوتهم وأموالهم وطعامهم ، ويدخلون في أسواقهم ويشترون ويأخذون ما في أيديهم مع وجود الشبهة فيها أيضاً.
إن قلت : فما هو مورد الأخبار الدالّة على حسن الاحتياط؟
قلنا : لابدّ من حملها على غير موارد قيام الأمارات الترخيصيّة ، أو عليها ولكن فيما إذا حصلت التهمة والظنّ القوي بالحرمة.
وبالجملة : تحقيق البحث في المقام يستدعي لزوم ملاحظة موارد وجوب الاحتياط ثمّ البحث عن شرائط الاحتياط في كلّ واحد منها ، وقد ظهر ممّا مرّ سابقاً أنّها ثلاثة :
أحدها : الشبهات الحكميّة قبل الفحص.
الثاني : أطراف العلم الإجمالي.
الثالث : موارد اليقين بالاشتغال الذي يقتضي البراءة اليقينيّة.
أمّا المورد الأوّل : فلا إشكال في وجوب الاحتياط فيه من دون شرط ، وسيأتي البحث عنه في بيان شرائط جريان أصالة البراءة.
وأمّا المورد الثاني : فهو مشروط بشرائط مرّ ذكرها : منها : أن تكون الشبهة محصورة ، ومنها : كون تمام الأطراف محلاً للابتلاء ، ومنها : عدم كون واحد من الأطراف مضطرّاً إليه.
وأمّا المورد الثالث : فلا إشكال أيضاً في وجوب الاحتياط فيه بلا شرط. إلاّ إذا أوجب طروّ عنوان ثانوي من قبيل العسر والحرج.
ثمّ إنّه هل يجوز العمل بالاحتياط وترك الاجتهاد والتقليد؟
وهذا تارةً يبحث عنه في مباحث العلم الإجمالي ( أي الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي ) واخرى في ما نحن فيه ( أي مطلق الاحتياط ).
والأقوال فيه ثلاثة :
١ ـ ما ذهب إليه المشهور ، وهو عدم الجواز مع إمكان الاجتهاد أو التقليد.