نطلب الحجّة بيننا وبين الله تعالى سواء قبل الخصم أو لم يقبل.
وثانياً : بأنّ عدم وجود الملازمة بين الأمرين أمر واضح ، ضرورة أنّ ما شكّ في وجوبه أو حرمته ليس عند الخصم بأعظم ممّا علم بحكمه ، فإذا لم تكن ملازمة بينهما في المخالفة القطعيّة فعدمها في المخالفة الاحتماليّة بطريق أولى.
أقول : يمكن الجواب عنه بأنّ ما يهمّنا في الفقه إنّما هو الأمن من العذاب ، وهو حاصل بنفي الفعليّة سواء لزمه نفي الاستحقاق أم لا.
الأمر الثاني والثالث : ما أفادهما الشيخ الأعظم رحمهالله من أنّ ظاهر الآية الإخبار بوقوع العذاب سابقاً بعد البعث فيختصّ بالعذاب الدنيوي الواقع في الامم السابقة ، فمحصّل كلامه : أوّلاً : أنّ الآية مختصّة بالامم السابقة ، وثانياً : أنّ الله تعالى قد أخبر بنفي خصوص العذاب الدنيوي ، وليس في الآية دلالة على أنّه تعالى لم يعذّبهم لعدم استحقاقهم له كي يكون دليلاً على نفي العقاب قبل البيان مطلقاً ، أي الدنيوي والاخروي جميعاً بل لعلّه لم يفعل ذلك منّة منه تعالى في خصوص الدنيا.
والجواب عنهما واضح ، أمّا بالنسبة إلى الأوّل منهما فلأنّ لحن الآية الشريفة إنّما هو لحن قوله تعالى : ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً ) (١) ، فيدلّ على أنّه لا يكون العذاب من دون بعث الرسول لائقاً بشأنه تعالى ، ولا معنى لاختصاص هذا المفهوم بالامم السابقة كما تشهد عليه الفقرتان السابقتان على هذه الفقرة ( أي قوله تعالى ( مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ) وقوله تعالى : ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) ) حيث إنّه لا إشكال في عدم اختصاصهما بالامم السابقة.
وأمّا بالنسبة إلى الثاني منهما فلأنّه إذا لم يعذّبهم في الدنيا فعدم تعذيبه في الآخرة بطريق أولى ، وهو عذاب يدوم بقاؤه ولا يخفّف عن أهله ، والشاهد عليه الآية اللاحقة وهى قوله تعالى : ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ).
الأمر الرابع : « إنّ أقصى ما تدلّ عليه الآية المباركة هو أنّ المؤاخذة والعقوبة لا تحسن إلّإ
__________________
(١) سورة مريم : الآية ٦٤.