وجوبهما الاستقلالي عند العلم به ينقلب إلى الوجوب الغيري ويصير قيداً للصلاة ولا مانع من أن تكون صفة العلم موجبة لتبدّل صفة الوجوب من النفسي إلى الغيري ومن الاستقلالي إلى القيدي ، فيرتفع الإشكال بحذافيره لأنّ العقاب إنّما يكون على ترك الواجب النفسي ( وهو الجهر أو الإخفات ) في حال الجهل ، مع كون المأتي به هو المأمور به في ذلك الحال لأنّ المفروض أنّ المأمور به هو القدر المشترك.
إن قلت : فيلزم منه صحّة العمل في حال العلم أيضاً. قلنا : لا يلزم ذلك لما عرفت أنّ بالعلم يتبدّل الاستقلالي النفسي إلى الغيري القيدي.
وأمّا المسألة الثانية : فتفصّى عن الإشكال فيها : بأنّ الواجب على المسافر الجاهل بالحكم خصوص الركعتين الأوّليين لكن لا بشرط عدم الزيادة ، بل لا بشرط عن الزيادة ، فلا تكون الأخيرتان مانعتين عن صحّة الصّلاة ، إلاّ أنّ العلم بالحكم يوجب الانقلاب ويصير الواجب على المسافر خصوص الركعتين الأوّليين بشرط عدم الزيادة فتصحّ الصّلاة التامّة عند الجهل وتفسد عند العلم.
وتفصّى عن إشكال العقاب بأنّه يمكن أن يكون العقاب لأجل ترك السلام بعد التشهّد الثاني ، بأن يكون أصل التسليم في الصّلاة جزءً لها ، ولكن وقوعه عقيب التشهّد الثاني واجب نفسي ، فيكون المتمّم في موضع القصر قد أخلّ بهذا الواجب النفسي ، فيعاقب عليه مع صحّة صلاته.
ثمّ إعترف بأنّ هذا الوجه لا تساعد عليه كلمات الأصحاب ، بل لا ينطبق عليه بعض الفروع المتسالم عليها بينهم ، فإنّ الظاهر تسالمهم على أنّ الجاهل لو نوى التمام وأتمّ الصّلاة بهذا العنوان صحّت صلاته بعنوان ما نواها ، وهذا لا يمكن إلاّ أن يكون المأمور به في هذا الحال هو الإتمام ، إذ لو كان المأمور به هو خصوص الركعتين الأوّليين ( ولولا بشرط عن الزيادة ) كان اللازم هو فساد صلاة من نوى التمام لعدم نيّة المأمور به (١) ( انتهى ما أردناه من كلامه ).
أقول : يرد عليه :
أوّلاً : أنّ طريقه هذا مملوّ بالتكلّفات الشديدة ولا يساعد عليه الوجدان الفقهي أصلاً.
__________________
(١) راجع فوائد الاصول : ج ٤ ص ٢٩٤ ـ ٢٩٩ ، طبع جماعة المدرّسين.