هذا ، ولكن يمكن الجواب عنه بأنّ الإمام عليهالسلام ( على أي حال ) أسند منعه إلى عنوان الضرر لا إلى عنوان العدوان والتعدّي على حقّ الغير ، وهذا كافٍ في الاستدلال به على المقصود ، ولا يبعد حينئذٍ الغاء الخصوصيّة عن موردها ، والحكم بعدم جواز الاضرار مطلقاً.
ومنها : ما رواه الطبرسي رحمهالله في مجمع البيان في ذيل قوله تعالى : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ... ) قال : جاء في الحديث « أنّ الضرار في الوصيّة من الكبائر » (١).
والظاهر ( بقرينة سائر الروايات الواردة في الباب ) أنّ المراد من الضرار في الوصيّة هو الوصيّة بتمام المال أو بأكثر من الثلث ، وهو بنفسه حرام ، ولذلك لا يتمّ الاستدلال بهذه الرواية لما نحن فيه ، اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ حكمة جعل هذا الحكم هو حرمة الاضرار ، فيكون حاكماً على عموم قاعدة السلطنة ، ولازمه حكومة قاعدة لا ضرر على تلك القاعدة أيضاً فتأمّل ، ولا يخفى أنّها ناظرة إلى الحكم الوضعي.
ومنها : ما رواه طلحة بن زيد عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : « إنّ الجار كالنفس غير مضارّ ولا إثم » (٢).
ومنها : ما رواه أبو بصير عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : سمعته يقول : « المطلّقة الحبلى ينفق عليها حتّى تضع حملها وهى أحقّ بولدها أن ترضعه بما تقبله امرأة اخرى ، يقول الله عزّوجلّ : ( لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ) « لا يضارّ بالصبي ولا يضارّ بامّه في إرضاعه ... » (٣).
ومنها : ما رواه الحلبي عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : سألته عن الشيء يوضع على الطريق فتمرّ الدابة فتنفر بصاحبها فتعقره فقال : كلّ شيء يضرّ بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه » (٤).
فتدلّ على أنّ الاضرار بالغير ولو كان بالتصرّف في الشارع العام موجب للضمان وأنّه لا فرق بين أن يكون الاضرار بالمباشرة أو بالتسبيب.
__________________
(١) وسائل الشيعة : ج ١٣ ، أبواب الوصايا ، الباب ٨ ، ح ٤.
(٢) المصدر السابق : إحياء الموات ، الباب ١٢ ، ح ٢.
(٣) المصدر السابق : ج ١٥ ، أبواب أحكام الأولاد ، الباب ٧٠ ، ح ٧.
(٤) المصدر السابق : ج ١٩ ، أبواب موجبات الضمان ، الباب ٩ ، ح ١.