ومنها : قوله تعالى : ( لَايُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا ) (١) ، وتقريب الاستدلال بها أنّ « ما آتاها » بمعنى « ما أعلمها » أي لا يكلّف الله نفساً إلاّما آتاها من العلم ، فدلالتها على البراءة واضحة.
وقد يناقش في الاستدلال بها بأنّ المراد من الموصول فيها إنّما هو المال بقرينة ما ورد في صدرها من قوله تعالى : ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ لَايُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا ) فيكون المعنى حينئذٍ : لا يكلّف الله نفساً إلاّمالاً آتاها ، أي أعطاها ، وهو أجنبي عن البراءة كما هو واضح.
ولكن في اصول الكافي عن عبدالأعلى قال : قلت لأبي عبدالله عليهالسلام : أصلحك الله هل جعل في الناس أداة ينالون بها المعرفة؟ قال : فقال « لا » ، قلت : فهل كلّفوا المعرفة؟ قال « لا ، على الله البيان ، لا يكلّف الله نفساً إلاّوسعها ، ولا يكلّف الله نفساً إلاّما آتاها » ، قال : وسألته عن قوله : ( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ) ، قال : « حتّى يعرّفهم ما يرضيه وما يسخطه » (٢).
فهذه الرواية تؤكّد أنّ الآية ناظرة إلى العلم والمعرفة ، ولا يخفى أنّ المراد من المعرفة فيها ليست معرفة أصل وجود الله تبارك وتعالى ، لأنّه لا ريب في أنّ أحسن الأدلّة على وجوده تعالى وأوّلها هو العقل من دون اعتماد عى البيان ، فليكن المراد معرفة الصفات التي لا تصاب بالعقول ، ولذا اشتهر بين العلماء أنّ أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية.
فلابدّ حينئذٍ من الجمع بين مورد الآية وهذه الرواية ، فنقول : يحتمل في المراد من الموصول في الآية ثلاثة وجوه :
أحدها : أن يكون المراد المال.
ثانيها : أن يكون المراد المعارف والتكاليف.
ثالثها : الجامع بين المعنيين ، فاستعمل الموصول في مطلق الاعطاء أعمّ من الاعطاء المالي واعطاء الحجّة والعلم.
__________________
(١) سورة الطلاق : الآية ٧.
(٢) اصول الكافي : ج ١ ، باب « البيان والتعريف ولزوم الحجّة » من كتاب الحجّة.