ثمّ قال : « قال ابن الأثير : قوله : لا ضرر ، أي لا يضرّ الرجل أخاه ، والضرار فِعال من الضرّ أي لا يجازيه على اضراره ، والضرر فعل الواحد والضرار فعل الاثنين ، والضرر ابتداء الفعل ، والضرار الجزاء عليه ، وقيل : الضرر ما تضرّ به صاحبك وتنتفع أنت به ، والضرار أن تضرّه من غير أن تنتفع ، وقيل هما بمعنى ، وتكرارهما للتأكيد ».
فقد ذكر إلى هنا أربعة معانٍ تكون هى الأساس والعمدة من المعاني التي ذكرناها في كتابنا القواعد الفقهيّة :
١ ـ أن يكون الضرار بمعنى الضرر.
٢ ـ أنّه الاضرار بالغير بما لا ينتفع به بخلاف الضرر فإنّه الاضرار بما ينتفع.
٣ ـ أنّه فعل الاثنين والضرر فعل الواحد.
٤ ـ أنّه المجازاة على الضرر والمقابلة بالمثل.
وأمّا تفسيره بالتعمّد بالضرر فيرجع إلى المعنى الثاني ، أي الاضرار بالغير بما لا ينتفع به.
هذا ما يستفاد من لسان العرب ، وسائر كتب اللغة اختار كلّ واحد منها بعض هذه الأربعة ، نعم ذكر في القاموس أنّه بمعنى الضيق ، وسيأتي ما فيه في آخر البحث.
وبهذا يظهر أنّ تعيين معنى « الضرار » بالطريق الأوّل مشكل جدّاً.
وأمّا الطريق الثاني ، وهو الإطراد وكثرة الإستعمال فالمستفاد منه عدم كونهما بمعنى واحد ( أي المعنى الأوّل من المعاني الأربعة ) مضافاً إلى أنّه بعيد في نفسه لأنّ أحدهما مصدر الثلاثي المجرّد والآخر مصدر المزيد ، كما أنّ معنى المجازاة على الضرر ( وهو المعنى الرابع ) يكون من لوازم باب المفاعلة ، وهكذا المعنى الثالث وهو كونه فعل الاثنين فليسا هما مستفادين من كثرة الاستعمال بل المستفاد من التتبّع في موارد إستعمال الكلمة في الكتاب والسنّة إنّما هو المعنى الثاني وهو ـ كما أشرنا ـ عبارة عن التعمّد على الضرر بما لا ينتفع به فقوله تعالى : ( وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً ) معناه الإمساك ثمّ الطلاق بقصد الإيذاء لا بقصد الإمساك والانتفاع كما يشهد عليه قوله تعالى : ( لِتَعْتَدُوا ) الوارد في ذيل الآية وكذلك الروايات الواردة في ذيلها ، وهكذا قوله تعالى : ( لَاتُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ) بناءً على أحد التفسيرين المذكورين سابقاً وهو كونه نهياً عن اضرار الامّ بولدها بترك إرضاعه غيظاً على أبيه وعن اضرار الأب بولده بانتزاعه عن امّه طلباً للاضرار بها ، وقوله تعالى : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى