إلى الرجوع إلى أقوال علماء اللغة في أمثال المقام بعد إمكان الرجوع إلى ما يتبادر منه إلى أذهاننا ، لأنّ من يزاول هذه اللغة كمزاولتنا يعدّ من أهل الخبرة بالنسبة إلى أمثال هذه اللغات المعروفة التي يكثر دورانها في الألسن كما لا يخفى.
والذي نجده من إرتكازنا الحاصل من تتبّع موارد استعمالات كلمة الضرر هو ما مرّ آنفاً من أنّه عبارة عن فقد كلّ ما نجده وننتفع به من مواهب الحياة في النفس أو المال أو العرض أو غير ذلك.
وبهذا يظهر ما يستفاد من الطريق الثالث ( وهو الرجوع إلى التبادر ) فالمتبادر من الضرر هو ما ذكره في المفردات مع تغيير أشرنا إليه ، وأمّا الطريق الثاني ( وهو الرجوع إلى موارد الاستعمال ) فكذلك يستفاد منه ما يقابل النفع ، والشاهد عليه وقوع عنوان الضرر في كثير من موارد الاستعمال في مقابل عنوان النفع ، ويكفيك في هذا المجال ملاحظة الموارد التي وردت في كتاب الله العزيز كقوله تعالى : ( فَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ) وقوله : ( يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَايَضُرُّهُ وَمَا لَايَنْفَعُهُ ) وقوله : ( لَايَمْلِكُونَ لِانفُسِهِمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً ).
هذا كلّه في معنى كلمة « الضرر ».
وأمّا ( الضرار ) فحيث إنّ استعماله ليس كثيراً مطّرداً فلا يمكن الرجوع فيه إلى الطريق الثالث وهو التبادر ، لعدم حصول إرتكاز وانس ذهني بالنسبة إليه حتّى بالإضافة إلى أهل اللسان ، فلابدّ حينئذٍ من الرجوع إلى الطريقين الآخرين :
أمّا الطريق الأوّل فكلمات اللغويين فيه مختلفة بل ربّما يختلف فيه كلمات لغوي واحد ، فقال في لسان العرب : « وروي عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال : لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ولكلّ واحد من اللفظين معنى غير آخر فمعنى قوله لا ضرر ... إلى أن قال : وقوله « لا ضرار » أي لا يضارّ كلّ واحد منهما صاحبه ، فالضرار منهما معاً والضرر فعل واحد ـ ومعنى قوله « ولا ضرار » أي لا يدخل الضرر على الذي ضرّه ولكن يعفو عنه.
والظاهر أنّ ما ذكره معنيان مختلفان : الأوّل : اضرار كلّ واحد بالآخر ، والثاني : المجازاة على الضرر.