كما ذهب إليه الشيخ الأعظم رحمهالله أو كناية بلسان نفي الموضوع كما اختاره المحقّق الخراساني رحمهالله ) فأورد عليهما :
أوّلاً : أنّ المجاز أو الكناية مخالف للظاهر.
وقد أجاب الشيخ رحمهالله عن هذا بأنّه لا مخلص من الالتزام به بعد تعذّر الحمل على الحقيقة ( لعدم إمكان انكار وجود الضرر في الخارج ، نظير النسيان في حديث الرفع ) ولزوم الرجوع إلى أقرب المجازات ، بل حاول المحقّق النائيني رحمهالله إثبات أنّ مقالة الشيخ لا يلزم منها المجاز لأنّ النفي في المقام وأشباهه من حديث الرفع وقوله عليهالسلام : « لا صلاة إلاّبطهور » وغيرهما محمول على معناه الحقيقي بالنظر إلى عالم التشريع.
وحاصل ما أفاده في توضيح ذلك : إنّ الأحكام التكليفيّة وكذا الوضعيّة أمرها بيد الشارع إن شاء رفعها وإن شاء وضعها ، فالنفي إذا تعلّق بحكم شرعي كان نفياً حقيقيّاً لارتفاعه واقعاً في عالم التشريع ، هذا بالنسبة إلى النفي ، وأمّا اطلاق الضرر على الأحكام المستلزمة له فهو أيضاً حقيقي ، لأنّ اطلاق المسبّبات التوليديّة كالإحراق على إيجاد أسبابها شائع ذائع ، فمن ألقى شيئاً في النار يقال : إنّه أحرقه ، قولاً حقيقيّاً ، وحينئذٍ نقول : كما أنّ الشارع إذا حكم بحكم شرعي وضعي أو تكليفي يوجب الضرر على المكلّفين يصدق أنّه أضرّ بهم وليس هذا اطلاقاً مجازياً ، فكذا إذا نفاه يصدق عليه أنّه نفى الضرر عنه ، نعم لو كانت الأحكام الشرعيّة من قبيل المعدّات للضرر لا من قبيل الأسباب ، أو كان من قبيل الأسباب غير التوليديّة كان إسناد الضرر إلى من أوجدها إسناداً مجازياً ، ولكن الأحكام الشرعيّة ليست كذلك بل حكم الشارع بالنسبة إلى محيط التشريع كالسبب التوليدي لا غير ، أمّا في الأحكام الوضعيّة فواضح ، وأمّا في الأحكام التكليفيّة فإسناد الاضرار فيها إلى الشارع إنّما هو بملاحظة داعي المكلّف وإرادته المنبعثة عن حكم الشارع ، ففي الحقيقة الحكم التكليفي سبب لإنبعاث إرادة المكلّف وهى سبب للفعل ، فهو أيضاً من سنخ الأسباب التوليدية (١). ( انتهى ).
وربّما يرد عليه : بأنّ الأحكام الإلهيّة ليست عللاً توليديّة لأفعال المكلّفين ، وذلك لتخلّل إرادة المكلّف بينهما ، والإرادة مستندة إلى الاختيار ومعلولة له ، وأمّا الأحكام فهى من قبيل
__________________
(١) راجع رسالة المحقّق النائيني رحمهالله في لا ضرر ( المطبوعة في منية الطالب : ج ٢ ، ص ٢٠١ ـ ٢٠٨ ).