المعدّدات والدواعي المؤكّدة لاختيار أحد الطرفين لا غير ، ولذلك في باب القتل لو ألقى شخص إنساناً في البحر وأغرقه عدّ سبباً للقتل ، وكذا إذا فتح باب القفس وطار الطائر منه ، وأمّا لو أطمع إنساناً عاقلاً مختاراً وأغراه إلى قتل إنسان آخر فلا يستند القتل حينئذٍ إلى المغري وإن كان يجازى في الشرع المقدّس بأشدّ المجازات لتخلّل إرادة إنسان عاقل مختار فيه ، وهذا هو المراد ممّا يبحث في باب الحدود من أنّه إذا كان السبب أقوى يستند القتل إليه ، وكلّما كان المباشر أقوى يستند القتل إلى المباشر ، والمراد من إقوائيّة المباشر كونه مستقلاً في إرادته ، والمراد من إقوائيّة السبب عدم تخلّل إرادة المباشر.
لكن يمكن دفع هذا بأنّ كون الإسناد حقيقيّاً لايتوقّف على توليديّة الأسباب بل ربّما يكون الإسناد حقيقيّاً ولو لم يكن السبب توليديّاً كما إذا الزم الحاكم بتعطيل السوق فعطّله التجار بإرادتهم فتضرّروا ، فهنا وإن كانت الإرادة متخلّلة لكن حيث إنّها كانت منبعثة من تهديد الحاكم وقوّته القاهرة يستند الضرر حقيقة إلى الحاكم ، وما نحن فيه من هذا القبيل لحكومة الباري القهّار في الأحكام الإلهيّة ، إذاً فأصل ما ذهب إليه المحقّق النائيني من إنّ الإسناد حقيقي أمر صحيح.
لكن يرد عليه : بأنّه لا يختصّ بالأسباب التوليديّة.
وبهذا يندفع الإشكال الأوّل الوارد على الشيخ رحمهالله وإن قبله نفسه ، حيث إعترف بأنّ « ما اختاره من المعنى ليس على طريق الحقيقة بل على نحو المجاز ، لتعذّر حمله على الحقيقة ، لوجودها في الخارج ».
ثانياً : أنّه يلزم منه تخصيص الأكثر ، وهو مستهجن عرفاً ، فيعلم من هنا أنّ للقاعدة معنىً آخر غير ما يظهر لنا في بادىء النظر فتصير مجملة ، ولابدّ حينئذٍ من الاقتصار في مقام العمل بها على موارد عمل الأصحاب.
وهذا ما سيأتي تفصيل البحث عنه وعن جوابه في التنبيهات ، ونشير إليه هنا إجمالاً فنقول :
قد وقع الأعلام لدفع هذا الإشكال في حيص وبيص ، والشيخ رحمهالله أيضاً كان ملتفتاً إليه وأجاب عنه بأنّ الجميع خرج بعنوان واحد لا بعناوين متعدّدة ، ولا استهجان فيه وإن كان ذلك العنوان معلوماً في علم الله تبارك وتعالى ومجهولاً عندنا.